آيات من القرآن الكريم

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

يكون الرقيم بمعنى المرقوم اى المكتوب والرقم الكتابة- وحكى عن ابن عباس انه اسم للوادى الذي فيه كهفهم فعلى هذا هو من رقمة الوادي وهو جانبه- وقال كعب الأحبار هو اسم للقرية التي خرج منها اصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه الكهف وقيل اصحاب الرقيم قوم آخرون اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن النعمان بن بشير انه سمع رسول الله ﷺ يحدث عن اصحاب الرقيم انهم ثلاثة نفر دخلوا الى الكهف وأخرجه احمد وابن المنذر عن انس عن النبي ﷺ ان ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون «١» لاهلهم فاخذتهم السماء فأووا الى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه- فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته- فقال واحد استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل بقيته مثل عملهم فاعطيته مثل أجرهم- فغضب أحدهم وترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مرّبى نفر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله- فرجع الىّ بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه وقال ان لى عندك حقّا وذكره حتى عرفته فدفعتها اليه جميعا- اللهم ان كنت فعلت ذلك لوجهك فاخرج عنا فانصدع الجبل حتى رأووا الضوء- وقال الاخر كانت لى فضيلة وأصاب الناس شدة فجاءتنى امراة فطلبت منى معروفا فقلت ما هو دون نفسك فابت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها- فقال أجيبي له واعينى عيالك فاتت وسلّمت الىّ نفسها- فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت مالك قالت أخاف الله فقلت خفتيه في الشدة ولم اخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها- اللهم ان كنت فعلته لاجلك فافرج عنّا فانصدع حتى تعارفوا- وقال الثالث كان لى أبوان هرمان وكانت لى غنم وكنت أطعمهما «٢» واسقيهما ثم ارجع الى غنمى فحبسنى ذات يوم غنم فلم أرح حتى أمسيت فاتيت أهلي وأخذت محلبى فحلبت فيه ومضيت إليهما فوجدتهما نائمين- فشق علّى ان أوقظهما فتوقفت جالسا ومحلبى على يدىّ حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما- اللهم ان فعلته لوجهك فافرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا والله اعلم- ثم ذكر الله قصة اصحاب الكهف فقال.
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ يعني اذكر إذ أوى الفتية اى صاروا إِلَى الْكَهْفِ يقال أوى فلان الى موضع كذا اى اتخذه منزلا- قال البغوي وهو غار في جبل

(١) اى يطلبون لاهلها الكلاء والغيث ١٢ منه رح
(٢) وفي الأصل اطعمتهما واسقيتهما ١٢

صفحة رقم 8

بيجلوس واسم الكهف جيرم فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً يوجب لنا الهداية فى الدين والمغفرة من الذنوب والرزق والامن من العدوّ وَهَيِّئْ لَنا قال البيضاوي واصل التهية احداث هيئة الشيء مِنْ أَمْرِنا اى من الأمر الذي نحن عليه من الايمان ومفارقة الكفار رَشَداً او المعنى اجعل لنا أمرنا كله رشدا- كقولك رايت منك رشدا اى استقامة على طريق الحق مع تصلب فيه كذا في القاموس وفيه رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى كاسترشد واسترشد طلبه والرشيد في صفات الله تعالى بمعنى الهادي الى سواء الصراط- والذي حسن تقديره فيما قدر- قال البغوي اختلفوا في سبب مصيرهم الى الكهف قال محمد بن إسحاق مرج اهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله عزّ وجلّ وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه- وكان ينزل قرى الروم ولا يترك في قرية نزلها أحدا الا فتنة حتى يذبح للطواغيت ويعبد الأصنام او يقتله- حتى نزل مدينة اصحاب الكهف وهى أفسوس كلما نزلها كبر على اهل الايمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه- وكان دقيانوس حين نزلها أمران يتبع اهل الايمان في أماكنهم- فيخرجونهم الى دقيانوس فيخيّرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت- فمنهم من يرغب في الحيوة ومنهم من يأبى ان يعبد غير الله فيقتل- فلما راى ذلك اهل الشدة فى الايمان بالله جعلوا يسلمون للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون- ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من ابوابها- حتى عظمت الفتنة فلمّا راى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلوة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء- وكانوا من اشراف الروم وكانوا ثمانية نفر بكوا وتضرعوا الى الله وجعلوا يقولون ربّنا ربّ السّموات والأرض لن ندعو من دونه الها لّقد قلنا إذا شططا ان عبدنا غيره- اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنهم البلاء حتى يعلنوا بعبادتك فبينا هم على ذلك وقد دخلوا في مصلّى لهم أدركهم الشرط «١» فوجدوهم وهم سجود على وجوههم يبكون ويتضرعون الى الله عزّ وجلّ فقالوا لهم ما خلّفكم عن امر الملك انطلقوا اليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم الى دقيانوس فقالوا تجمع الناس للذبح لالهتك وهؤلاء الفتية من اهل بيتك يستهزءون

(١) شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده ١٢ منه

صفحة رقم 9

بك ويعصون أمرك فلمّا سمع بذلك بعث إليهم فاتى بهم تفيض أعينهم من الدمع «١» معفّرة وجوههم بالتراب فقال ما منعكم ان تشهدوا الذبح لالهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلون أنفسكم أسوة كسرات اهل مدينتكم اختاروا اما ان تذبحوا لالهتنا واما ان أقتلكم- فقال مكسلمينا وهو أكبرهم ان لنا الها ملاء السموات عظمته لن ندعوا من دونه الها إبداله الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا إياه نعبد وإياه نسئل النجاة والخير فاما الطواغيت فلن نعبدها ابدا- فاصنع ما بدا لك وقال اصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال- فلمّا قالوا ذلك امر فنزع عنهم لبوس كانت عليهم من لبوس عظمائهم- ثم قال سافرغ فانجز لكم ما وعدتكم من العقوبة وما يمنعنى ان اعجل ذلك لكم الا انى أراكم شبانا حديثة أسنانكم ولا أحب ان أهلككم حتى اجعل لكم أجلا تذكّرون فيه وتراجعون عقولكم- ثم امر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت ثم امر بهم فاخرجوا عنه- وانطلق دقيانوس الى مدينة سوى مدينتهم قريبا لبعض أموره...... فلمّا راى الفتية خروجه بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم ان يذكرهم فأتمروا بينهم ان يأخذ كل منهم نفقته من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا الى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له بيجلوس فيمكثون فيه ويعبدون الله- حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما يشاء فلمّا قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم الى بيت أبيه فاخذ نفقته فتصدق منها ثم انطلقوا بما بقي معهم واتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فلبثوا فيه- قال كعب الأحبار ومرّوا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا- فقال لهم الكلب يا قوم ما تريدون منى لا تخشون جانبى انا أحب احبّاء الله عز وجل فنموا «٢» حتى أحرسكم وقال ابن عباس هربوا ليلا من دقيانوس وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعهم كلبه فخرجوا من البلد الى الكهف وهو قريب من البلد قال ابن عباس فلبثوا فيه ليس لهم عمل الا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله- وجعلوا نفقتهم الى فتى منهم يقال له تمليخا وكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرّا وكان من أجملهم واجلدهم- وكان إذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها- ثم يأخذ ورقة فينطلق الى المدينة فيشترى طعاما وشرابا ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ثم يرجع الى أصحابه فلبثوا بذلك ما لبثوا- ثم قدم دقيانوس المدينة فامر

(١) العفرة الغبرة ولون التراب ١٢ منه رح
(٢) وفي الأصل فناموا ١٢ منه رح

صفحة رقم 10

عظماء أهلها فذبحوا للطواغيت ففزع اهل الايمان وكان تمليخا بالمدينة يشترى لاصحابه طعامهم فرجع الى أصحابه وهو يبكى ومعه طعام قليل وأخبرهم ان الجبار قد دخل المدينة وقد ذكروا والتمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجودا يدعون الى الله ويتضرعون ويتعوّذون من الفتنة- ثم ان تمليخا قال يا إخوتاه ارفعوا رءوسكم وأطعموا وتوّكلوا على ربكم- فرفعوا رءوسهم وأعينهم تفيض من الدمع فطعموا وذلك من غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكّر بعضهم بعضا فبيناهم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فاصابه ما أصابهم وهم مؤمنون وموقنون ونفقتهم عند رءوسهم- فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فلم يجدهم فقال لبعضهم قد ساءنى شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد كانوا ظنوا ان لى غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من امرى ما كنت لاحمل عليهم ان هو تابوا وعبدوا الهتى- فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق ان ترحم قوما فجرة مردة عصاة لقد كنت اجّلت لهم أجلا ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الاجل ولكنهم لم يتوبوا- فلمّا قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل الى ابائهم فاتى بهم فسالهم عنهم فقال أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصونى- فقالوا له اما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا باموالنا فاهلكوها في أسواق المدينة ثم انطلقوا وأرسلوا الى جيل يدعى بيجلوس- فلمّا قالوا له ذلك خلّى سبيلهم وجعل لا يدرى ما يصنع بالفتية فالقى الله عز وجل في نفسه ان يأمر بالكهف فيسد عليهم- أراد الله ان يكرمهم ويجعلهم اية لامة تستخلف من بعدهم وان يبين لهم انّ السّاعة لا ريب فيها وانّ الله يبعث من في القبور- فامر دقيانوس بالكهف ان يسدّ عليهم وقال دعوهم في الكهف الذي اختاروا كما هم يموتون جوعا وعطشا ويكون كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم وهو يظن انهم إيقاظ يعلمون ما يصنع بهم وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم ينقلبون ذات اليمين وذات الشمال ثم ان رجلين مؤمنين من بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما اسم أحدهما يندروس والاخر راياش ائتمروا ان يكتبا شان الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوحين من رصاص ويجعلا هما في تابوت من نحاس ويجعلا التابوت في البنيان- وقالا لعل الله ان يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عنهم حين يقرأ هذا لكتاب خبرهم ففعلا فبنيا عليه فبقى دقيانوس ما بقي ثم مات هو وقومه وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك- وقال عبيد بن عمير كان اصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوى ذوائب وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم

صفحة رقم 11

فى ذىّ وموكب واخرجوا معهم الهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله في قلوب الفتية الايمان وكان أحدهم وزير الملك فامنوا وأخفى كل واحد إيمانه- فقالوا في أنفسهم نخرج من بين اظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب يجرهم- فخرج شابّ منهم حتى انتهى الى ظل شجرة فجلس فيه- ثم خرج اخر فراه جالسا وحده فرجا ان يكون على مثل امره من غير ان يظهر ذلك- ثم خرج اخر فاجتمعوا الى مكان فقال بعضهم لبعض ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه إيمانه مخافة على نفسه- ثم قالوا ليخرج كل فئتين فيخلو بصاحبه ثم يغشى كل واحد منكم سره الى صاحبه فاذاهم جميعا على الايمان وإذا كهف في الجبل قريبا منهم فقال بعضهم لبعض فاوآ الى الكهف ينشر لكم ربّكم من رّحمته- فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم فناموا ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا وفقدهم قومهم وطلبوهم فعمى الله عليهم اثارهم وكهفهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح ان فلان بن فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في ملكة فلان بن فلان- ووضعوا اللوح في خزانة الملك فقالوا ليكونن لهذا شأن- ومات ذلك الملك وجاء قرن بعد قرن وقال وهب بن منبه جاء حوارى عيسى ﷺ الى مدينة اصحاب الكهف فاراد ان يدخلها فقيل له ان على بابها صنما لا يدخلها أحد الا سجد له فكره ان يدخلها- فاتى حماما قريبا من المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه وراى صاحب الحمام في حمامه البركة
وعلقه فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض حتى أمنوا وصدقوه وكان شرط على صاحب الحمام ان الليل لى لا يحول بينى وبينه ولا بين الصلاة أحد وكان على ذلك حتى اتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام فعيّره الحمامي وقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيى وذهب فرجع مرة اخرى فقال له مثل ذلك فسبّه وانتهره ولم يلتفت الى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام واتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام وابنك فالتمس فلم يقدر عليه وهرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل ايمانهم فانطلق ومعه كلب حتى اواهم الليل الى الكهف فدخلوه وقالوا نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح ان شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله رعب فلم يطق أحد ان يدخله- فقال قائل أليس لو قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعبروا بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان- ثم ان راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف وادخلت غنمى اليه فاكنّهم من المطر فلم

صفحة رقم 12

يزل يعالجه حتى فتح- ورد الله أرواحهم من الغد حين أصبحوا- وقال محمد بن إسحاق ثم ملك اهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدوسيس فلمّا بقي في ملكه ثمانية وستين سنة فتحزّب الناس في ملكه وكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم ان الساعة حق ومنهم من يكذّب بها- فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرع الى الله وحزن حزنا شديدا لما راى اهل الباطل يزيدون ويظهرون على اهل الحق ويقولون لا حيوة الا الحيوة الدنيا وانما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد- فجعل بيدوسيس يرسل الى من يظن فيه خيرا وانهم ائمة في الحق- فجعلوا يكذّبون بالساعة حتى كادوا ان يحوّلوا الناس عن الحق وملة الحواريين- فلمّا راى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجلس عليه- فداب ليله ونهاره زمانا يتضرع الى الله ويبكى ويقول اى ربّ قد ترى اختلاف هؤلاء- فابعث إليهم اية تبين لهم بطلان ما هو عليه ثم ان الرحمان الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد ان يظهر على الفتية اصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعل اية وحجة عليهم ليعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها ويستجيب لعبده الصالح بيدوسيس ليتم نعمته عليه- وان يجمع من كان تبدد من المؤمنين- فألقى الله في نفس رجل من اهل ذلك البلد الذي فيه الكهف كان اسم ذلك الرجل اولياس ان يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف- فيبنى به حضيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعل ينزعان تلك الحجارة ويبنيان على تلك الحضيرة حتى نزعاما على فم الكهف وفتحا باب الكهف وحجبهم الله عن أعين الناس بالرعب- فلمّا فتحا باب الكهف اذن الله عزّ وجلّ ذو القوة والسلطان محيى الموتى الفتية ان يجلسوا بين ظهرى الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم يسلّم بعضهم على بعض كانما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم- ثم قاموا الى الصلاة فصلوا كالذى كانوا يفعلون- لا يرى في وجوههم وألوانهم شىء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون ان ملكهم دقيانوس في طلبهم- فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم نبئنا بالذي قالوا للناس عنا عشية أمس عند هذا الجبار وهم يظنون انهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون- وقد تخيل إليهم انهم ناموا أطول مما كانوا ينامون حتى يتساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياما قالوا لبثنا يوما او بعض يوم ثم قالوا ربّكم اعلم بما لبثتم- وكل ذلك في أنفسهم يسير- فقال لهم تمليخا ألستم في المدينة وهو

صفحة رقم 13

يريد ان يوتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت او يقتلكم- فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا يا إخوتاه اعلموا امّكم مّلاقوا الله فلا تكفروا بعد ايمانكم إذا دعاكم عدو الله ثم قالوا لتمليخا انطلق الى المدينة فتسمع ما يقال لنابها وما الذي يذكر عند دقيانوس وتلطّف ولا يشعر بك أحد وابتغ لنا طعاما فأتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا به فقد أصبحنا جياعا- ففعل تمليخا كما كان
يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب الذي كان ينتكر فيها- وأخذ ورقا عن نفقتهم التي كانت معهم الذي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع- فانطلق تمليخا خارجا فلمّا مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مرّ ولم يبال بها حتى اتى باب المدينة مستخفيا يصدعن الطريق تخوّفا ان يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر ان دقيانوس واهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة سنة- فلما اتى تمليخا باب المدينة وقع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان إذا كان امر الايمان ظاهرا فلمّا راها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا وينظر يمينا وشمالا- ثم ترك ذلك الباب فتحول الى باب اخر من ابوابها فراى مثل ذلك فجعل يخيّل اليه ان المدينة ليست بالتي كان يعرف- وراى ناسا كثيرا محدثين لم يكونوا هم قبل ذلك فجعل يمشى ويتعجب ويخيل اليه انه حيران- ثم رجع الى الباب الذي اتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعرى ما هذا- اما عشية أمس فكان المسلمون يحبون هذه العلامة ويستخفون بها واما اليوم فانها ظاهرة لعلّى نائم ثم يرى انه ليس بنائم- فاخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشى بين ظهرى سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا وراى انه حيران- فقام مسندا ظهره الى جداد من جدد المدينة وقال في نفسه والله ما أدرى اما عشية أمس فليس على وجه الأرض من يذكر عيسى بن مريم الا قليل واما الغداة فاسمعهم وكل انسان يذكر عيسى ولا يخاف- ثم قال في نفسه لعل هذا ليست بالمدينة التي اعرف والله ما اعرف مدينة قرب مدنيتنا فقام كالحيران ثم لقى فتى فقال ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أفسوس فقال في نفسه لعل شيئا او امرا اذهب عقلى والله يحق لى ان اسرع الخروج منها قبل ان اخزى فيها او يصيبنى شر فاهلك ثم انه أفاق فقال والله لو عجّلت الخروج من المدينة قبل ان يفطن بي كان أليس بي- فدنا من الذين يبيعون الطعام فاخرج الورق التي كان معه فاعطاها رجلا منهم فقال بعنى بهذه الورق طعاما

صفحة رقم 14

فاخذها الرجل فنظر الى ضرب الورق ونقشها فتعجب منها ثم طرحها الى رجل من أصحابه- فنظر إليها فجعلوا يتطارحون بينهم ويقول بعضهم لبعض ان هذا أصاب كنزا خبيّبا في الأرض منذ زمان ودهر طويل- فلما راهم تمليخا يتشاورون من اجله فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد ويظن انهم قد فطنوا به وعرفوه وانهم انما يريدون ان يذهبوا به الى ملكهم دقيانوس وجعل أناس اخر يأتونه فيتعرفونه فلا يعرفونه- فقال لهم وهو شديد الفرق منهم افضلوا علىّ قد أخذتم ورقى فامسكوها واما طعامكم فلا حاجة لى به- فقالوا من أنت يا فتى وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد ان تخفيه منا فانطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت- فانك ان لم تفعل نأت بك الى السلطان فنسلّمك اليه فيقتلك- فلما سمع قولهم قال قد وقعت وفي كل شىء كنت احذر منه- فقالوا يا فتى انك والله لن تسطيع ان تكتم ما وجدت- فجعل تمليخا لا يدرى ما يقول لهم وما يرجع إليهم وفرق حتى ما يحير إليهم شيئا- فلما رأوه انه لا يتكلّم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سلك المدينة حتى سمع به من فيها فسألوه ما الخبر فقيل لهم أخذ رجل عنده كنز فاجتمع اليه اهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون اليه ويقولون والله ما هذا الفتى من اهل هذه المدينة وما رايناه فيها قط- فجعل تمليخا لا يعرف ما يقول لهم فلما اجتمع اليه فرق فسكت ولم يتكلم- وكان مستيقنا ان أباه واخوته بالمدينة وان حسبه بالمدينة من عظماء أهلها وانهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر حتى يأتيه بعض اهله فيخلصه من بين أيديهم- إذا اختطفوه وانطلقوا به الى رءوس المدينة ومدبريها الذين يدبر ان أمرها- وهما رجلان صالحان اسم أحدهما اريوس والاخر اشطيوس- فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا انه ينطلق به الى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا وشمالا- وجعل الناس ليسخرون منه كما يسخر من المجنون- وجعل تمليخا يبكى ثم رفع رأسه الى
السماء فقال اللهم اله السماء والأرض افرغ اليوم علىّ صبرا وادلج معى روحا منك يؤيدني عند هذا الجبار وجعل يبكى- ويقول في نفسه فرّق بينى وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ولو انهم يعلمون فيأتونى فنقوم جميعا بين يدى الجبار فانّا كنا توافقنا ان لا نفترق فى حيوة ولا موت ابدا- يحدث تمليخا نفسه فيما اخبر أصحابه حين رجع إليهم حتى انتهى الى الرجلين الصالحين اريوس واشطيوس فلما راى تمليخا انه لا يذهب به الى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء- فاخذ اريوس واشطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ثم قال له أحدهما اين الكنز الذي وجدت

صفحة رقم 15

يا فتى- فقال تمليخا ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق ابائى ونقش هذه المدينة وضربها- ولكنى والله ما أدرى ما شأنى وما أقول لكم فقال أحدهما فمن أنت- فقال تلميخا اما انا فكنت من اهل هذه المدينة- فقالوا ومن أبوك ومن يعرفك بها- فانباهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه- فقال له أحدهما أنت رجل كذّاب لا تنبئنا بالحق- فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير انه نكس بصره الى الأرض- فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون وقال بعضهم ليس بمجنون ولكنه يمحّق نفسه عمدا لكى ينفلت منكم فقال له أحدهما دو نظر اليه نظرا شديدا تظن ان نرسلك ونصدقك بان هذا الورق مال أبيك- ونقش هذا الورق وضربها اكثر من ثلاث مائة سنة- وانما أنت غلام شاب أتظن انك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شمط كما ترى وحولك سراة اهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بايدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار انى لاظن سامر بك فتعذب عذابا شديدا- ثم اوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدته فلمّا قال ذلك فقال لهم تمليخا انبئونى عن شىء اسئلكم عنه فان فعلتم صدقتكم عمّا عندى قالوا سل لانكتمك شيئا- قال ما فعل الملك دقيانوس قالا ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس ولم يكن الا ملك هلك من زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة فقال تمليخا انى إذا لحيران وما هو بمصدقى أحد من الناس لقد كنافئة على دين واحد وهو الإسلام وان الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس- فلمّا انتبهنا خرجت لاشترى لهم طعاما وأتجسس الاخبار فانا كنا كما ترون- فانطلقوا معى الى الكهف الذي في جبل بيجلوس أراكم أصحابي فلما سمع اريوس ما يقول تمليخا قال يا قوم لعل هذه اية من آيات الله جعلها الله لكم على يدى هذا الفتى فانطلقوا بنا معه يرينا أصحابه- فانطلق معه اريوس واشطيوس وانطلق معهم اهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو اصحاب الكهف لينظروا إليهم- ولمّا راى الفتية اصحاب الكهفان تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتى به فيه ظنوا انه قد أخذ فذهب به الى ملكهم دقيانوس- فبينما هم يظنون ذلك ويتخوّفونه إذ سمعوا الأصوات وجبلة الخيل مصعدة نحوهم- فظنوا انهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى بهم فقاموا الى الصلاة وسلّم بعضهم على بعض واوصى بعضهم بعضا- وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا- فانه الان بين يدى الجبار ينتظر متى نأتيه فبينما هو يقولون ذلك وهو جلوس بين ظهرانى الكهف لم يروا الا اريوس وأصحابه وقوفا على

صفحة رقم 16

باب الكهف فسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكى- فلمّا رأوه يبكى بكوا معه ثم سألوه عن شأنه فاخبرهم وقص عليهم النبأ كله فعرفوا عند ذلك انهم كانوا قياما بامر الله ذلك الزمان كله- وانما أوقظوا ليكونوا اية للناس وتصديقا للبعث- ويعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها- ثم دخل على اثر تمليخا اريوس فراى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة- فقام بباب الكهف ثم دعا رجلا من عظماء اهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجد فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما ان مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وبشرطونس- وبيربوس ودينومس ويطنومونس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة ان يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلمّا اخبر بمكانهم امر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وانا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم ان عثر عليهم- فلما قرءووه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم اية البعث فيهم ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه- ثم دخلوا
على الفتية الى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهريه سفرة وجوههم لم تبل ثيابهم فخرّ اريوس وأصحابه سجودا وحمدوا لله الذي أراهم اية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا وانبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقيانوس- ثم ان اريوس وأصحابه بعثوا بريدا الى ملكهم الصالح بيدوسيس ان اعجل لعلك تنظر الى آية من آيات الله جعلها الله على ملكك وجعلها اية للعالمين لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث- فاعجل الى فتية بعثهم الله عزّ وجل وقد كان توفّاهم اكثر من ثلاث مائة سنين- فلما اتى الملك الخبر قام فرجع اليه عقله وذهب همه فقال أحمدك رب السموات والأرض وأعبدك واسبح لك تطولت علىّ ورحمتنى ولم تطف النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك فلمّا نبّابه اهل المدينة كبوا اليه وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف- فلمّا راى الفتية بيدوسيس فرحوا به وخرّوا سجدا على وجوههم- وقام بيدوسيس قدامهم ثم اعتنقهم وركا وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون ويحمدونه- ثم قال الفتية لبيدوسيس نستودعك الله والسّلام عليك ورحمة الله وحفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الجن والانس- فبينما الملك قائم إذ رجعوا الى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم- وقام الملك إليهم وجعل ثيابهم عليهم وامر ان يّجعل كل رجل منهم فى تابوت من ذهب فلمّا امسى ونام أتوه فقالوا له انا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكن خلقنا من تراب والى التراب

صفحة رقم 17
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية