
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣)اللغة:
(يَنْبُوعاً) : الينبوع بفتح الياء عين غزيرة لا ينصب ماؤها وهو يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر وكثرت أمواجه وللنون مع الباء فاء وعينا للكلمة سرّ عجيب مطرد وهو أنها تدل على الظهور والبروز وقد أحصيناها في جميع تراكيبها فرأيناها لا تنفك عن أداء هذا المعنى: فنبأ معناها ارتفع والنبأ الخبر والنبوءة، والنبوة الاخبار عن الغيب أو المستقبل، والنابئ المكان المرتفع المحدودب وسيل نابىء طارئ من حيث لا يدرى وكل شيء يظهر، قال:
ألا فاسقياني وانفيا عنكما القذى | وليس القذى بالعود يسقط في الخمر |
ولكن قذاها كل أشعث نابىء | أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري |
أو من مشعشعة ورهاء نشوتها | أو من أنابيب رمّان وتفّاح |
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم... قالوا لأمهم: بولي على النار
ونبذ الشيء من يده طرحه ورمى به وصبي منبوذ والتقط فلان منبوذا ونبذ أمري وراء ظهره ونبذ النبيذ وهو أن يلقي الثمر في الجرّ وغيره، والنبيذ التمر المنبوذ والخمر المعتصر من العنب وغيره وجمعه أنبذة والنبّاذ بائع النبيذ، ونبر الغلام ترعرع ونبر المغنّي رفع صوته بعد خفض ونبر الحرف همزه والمنبر محل مرتفع يرتقيه الخطيب أو صفحة رقم 499

الواعظ يكلم منه الجمع سمي بذلك لارتفاعه وكسرت الميم على التشبيه بالآلة والجمع منابر، والنبز اللقب ونبزه بكذا لقبه ليعرف به وهو شائع في الألقاب القبيحة، ونبس بالمجلس ونبّس تكلم وأكثر استعماله بعد النفي يقال: ما نبس بكلمة وتقول كلّمته فعبس وما نبس، ونبش الشيء المستور أبرزه وأظهره ونبش الكنز من الأرض كشفه واستخرجه وهو ينبش الأسرار، قال:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا |
موتهنّ انتباشهن من الأر | ض ويحيين ما سكنّ القبورا |
أين امرؤ القيس والعذارى | إذ مال من تحته الغبيط |
استنبط العرب في الموامي | بعدك واستعرب النبيط |
وحلت في بني القين بن جسر | فقد نبغت لنا منهم شئون |
طواهن تغويري إذا الآل أرفلت | به الشمس أزر الحزورات النوابك |
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي | ومسنونة زرق كأنياب أغوال |
وليس بذي رمح فيطعنني به | وليس بذي سيف وليس بنبّال |

أنا السيف إلا أن للسيف نبوة | ومثلي لا تنبو عليك مضاربه |
لا تلم كفي إذا السيف نبا | صّح مني العزم والدهر أبى |
قطعة».
(قَبِيلًا) : كفيلا بما تقول شاهدا بصحته وقيل مقابلة وعيانا وقيل هو جمع قبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة يشهدون بصحة ما تقول واللغة تحتمل الجميع.
(زُخْرُفٍ) ذهب وهو المراد هنا ولها معان شتى منها حسن الشيء وزخرف الكلام أباطيله المموهة وزخرف الأرض ألوان نباتها والجمع زخارف وزخرف الشيء حسنه وزينه، والكلام موّهه بالكذب.
الإعراب:
(وَقالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الواو عاطفة وقالوا فعل وفاعل ولن حرف نفي ونصب واستقبال ونؤمن نصب بها وفاعل نؤمن مستتر تقديره نحن ولك متعلقان بنؤمن وحتى حرف غاية وجر وتفجر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى ولنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال ومن الأرض متعلقان بتفجر وينبوعا صفحة رقم 502

مفعول به. (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) أو حرف عطف وتكون عطف على تفجر وهو المطلب الثاني من مطالبهم الستة. ولك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر تكون المقدم، وجنة اسمها المؤخر، فتفجر: الفاء عطف وتفجر عطف على تكون وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت والأنهار مفعول به وخلالها ظرف متعلق بمحذوف حال أي كائنة خلالها وتفجيرا مفعول مطلق. (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) أو حرف عطف وتسقط عطف على ما تقدم وهو المطلب الثالث والسماء مفعول به والكاف حرف جر أو اسم بمعنى مثل وهي مع ما المصدرية المؤولة بمصدر نعت لمصدر محذوف أو نصب على الحال وعلينا متعلقان بتسقط وكسفا حال من السماء والاشارة الى قوله تعالى «إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء». (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا) وهذا هو المطلب الرابع من مطالبهم المتعنتة وبالله متعلقان بتأتي والملائكة عطف على الله وقبيلا حال من الله والملائكة وقد تقدم معناها في باب اللغة. (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) وهذان هما المطلبان الخامس والسادس. ولك خبر يكون المقدم وبيت اسم يكون المؤخر ومن زخرف متعلقان بمحذوف صفة لبيت أو حرف عطف وترقى عطف على ما تقدم وبه تكتمل المطالب الستة المتعنتة وفي السماء جار ومجرور متعلقان بترقى ومعنى الرقي الصعود في السماء.
(وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) الواو عاطفة ولن حرف نفي ونصب واستقبال ونؤمن منصوب بها وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن ولرقيك متعلقان بنؤمن وحتى حرف غاية وجر وتنزل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت وعلينا متعلقان بتنزل وكتابا مفعول به وجملة نقرؤه نعت لكتابا أو حال مقدرة من نا في علينا. (قُلْ سُبْحانَ