آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

إسماعيل ثنا صدقة بن الفضل ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ البيت ستون وثلاثمائة صنم، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد».
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٢ الى ٨٤]
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ: مِنَ لَيْسَ لِلتَّبْعِيضِ، وَمَعْنَاهُ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا كُلُّهُ شِفَاءٌ، أَيْ: بَيَانٌ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ يُتَبَيَّنُ بِهِ الْمُخْتَلَفُ وَيَتَّضِحُ بِهِ الْمُشْكِلُ وَيُسْتَشْفَى بِهِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَيُهْتَدَى بِهِ مِنَ الحيرة، هو شفاء للقلوب [١] بِزَوَالِ الْجَهْلِ عَنْهَا، وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً، لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَالْمُؤْمِنَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَكُونُ رَحْمَةً لَهُ، وَقِيلَ: زِيَادَةُ الْخَسَارَةِ لِلظَّالِمِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ تَنْزِلُ يَتَجَدَّدُ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَيَزْدَادُ لَهُمْ خَسَارَةٌ، قَالَ قَتَادَةُ:
لَمْ يُجَالِسْ هَذَا [٢] الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ [٣] قَضَى اللَّهُ الَّذِي قَضَى شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ، عَنْ ذِكْرِنَا وَدُعَائِنَا، وَنَأى بِجانِبِهِ، أي تباعد منا بِنَفْسِهِ، أَيْ تَرَكَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: تَعَظَّمَ وَتَكْبَّرَ، وَيَكْسِرُ النُّونَ وَالْهَمْزَةَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَيَفْتَحُ النُّونَ وَيَكْسِرُ الْهَمْزَةَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَنَاءَ مِثْلَ جَاءَ قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى نَأَى، وَقِيلَ: نَاءَ مِنَ النَّوْءِ وَهُوَ النُّهُوضُ وَالْقِيَامُ. وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ، الشِّدَّةُ والضر، كانَ يَؤُساً، أَيْ آيِسًا قَنُوطًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَضَرَّعُ وَيَدْعُو عِنْدَ الضُّرِّ وَالشِّدَّةِ، فَإِذَا تَأَخَّرَتِ الْإِجَابَةُ يَئِسَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَيْأَسَ مِنَ الْإِجَابَةِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَيَدَعُ الدعاء.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ، قَالَ ابْنُ عباس: على ناحيته. قالا الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
عَلَى نِيَّتِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى خَلِيقَتِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: عَلَى طَرِيقَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: عَلَى طَبِيعَتِهِ وَجِبِلَّتِهِ. وَقِيلَ: عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِنَ الشَّكْلِ، يُقَالُ: لَسْتَ عَلَى شَكْلِي وَلَا شَاكِلَتِي، وكلها لغات مُتَقَارِبَةٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ: طَرِيقٌ ذُو شَوَاكِلَ إِذَا تَشَعَّبَتْ مِنْهُ الطُّرُقُ، وَمَجَازُ الْآيَةِ: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: كُلُّ امْرِئٍ يُشْبِهُهُ فِعْلُهُ. فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا، أوضح طريقا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٥ الى ٨٨]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)
قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، الآية.

(١) في المطبوع «القلوب».
(٢) في المخطوط «أهل».
(٣) في المخطوط «انتقاص».

صفحة رقم 158

«١٣٢٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا قيس بن حفص ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ مَسْعُودٍ] [١] قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مَنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ فلما أنجى عنه، وقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥) وفي رواية «وما أوتوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» قَالَ الْأَعْمَشُ: هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا.
«١٣٣٠» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدِ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا نَشَأَ فِينَا بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَمَا اتَّهَمْنَاهُ بِكَذِبٍ، وَقَدِ ادَّعَى مَا ادَّعَى، فَابْعَثُوا نَفَرًا إِلَى الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَاسْأَلُوهُمْ عَنْهُ [وأخبروهم بخبره وما ادعاه وانظروا ما يقولون في أمره] [٢] فَإِنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَبَعَثُوا جَمَاعَةً إِلَيْهِمْ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَإِنْ أَجَابَ عَنْ كُلِّهَا أَوْ لَمْ يُجِبْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ أَجَابَ عَنِ اثْنَيْنِ وَلَمْ يُجِبْ عن واحد فَهُوَ نَبِيٌّ فَسَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ فُقِدُوا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ وَعَنْ رَجُلٍ بلغ مشرق الأرض ومغربها وما خَبَرُهُ، وَعَنِ الرُّوحِ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ غَدًا» وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَبِثَ الوحي، قال مجاهد: اثنتي عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَقَدْ أَصْبَحْنَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ، حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مُكْثِ الْوَحْيِ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، ثُمَّ نَزَلَ جِبْرِيلُ بقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف: ٢٣]، ونزل في الْفِتْيَةِ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)، ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَنَزَلَ فِي الروح وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي.
وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ جِبْرِيلُ [عليه السلام] [٣]، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [٤] أَنَّهُ قَالَ: [هُوَ] [٥] مَلَكٌ لَهُ سبعون ألف وجه

١٣٢٩- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، علقمة هو ابن الأسود.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ١٢٥ عن قيس بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٧٢١ و٦٤٦٢ و٧٢٩٧ ومسلم ٢٧٩٤ والترمذي ٣١٤٠ وأحمد ١/ ٤١٠ و٤٤٤ وأبو يعلى ٥٣٩٠ والطبري ٢٢٦٧٦ والواحدي في «أسبابه» ٥٨٨ من طريق عن الأعمش به.
١٣٣٠- ضعيف. أخرجه البيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٩- ٢٧١ من طريق ابن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل مكة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس مطوّلا.
- وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٩٠ نقلا عن المفسرين بنحوه.
- وفي «الوسيط» ٣/ ١٢٥ عن ابن عباس بدون إسناد.
- وهو بهذا اللفظ ضعيف.
- أما السؤال عن الروح فقد صح من حديث ابن مسعود وهو الحديث المتقدم.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.

صفحة رقم 159

لِكُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَلْقٌ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدم لهم أيد وأرجل ورؤوس وَلَيْسُوا بِمَلَائِكَةَ وَلَا نَاسٍ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقًا أَعْظَمَ مِنَ الرُّوحِ غَيْرَ الْعَرْشِ، لَوْ شَاءَ أَنْ يَبْتَلِعَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَا بِلُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ، صُورَةُ خَلْقِهِ عَلَى صُورَةِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَصُورَةُ وَجْهِهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ، يَقُومُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَهُوَ أَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ عِنْدَ الْحُجُبِ السَّبْعِينَ، وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مِمَّنْ يَشْفَعُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَلَوْلَا أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الملائكة سترا من نور لاحتراق أَهْلُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِهِ. وَقِيلَ:
الرُّوحُ هُوَ الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ليس كما يقوله الْيَهُودُ وَلَا كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الرُّوحُ الْمُرَكَّبُ في الخلق الذي يحيى [١] بِهِ الْإِنْسَانُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الدَّمُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا مَاتَ لَا يَفُوتُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا الدَّمُ.
[وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ نَفَسُ الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمُوتُ بِاحْتِبَاسِ النَّفَسِ] [٢]. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ عَرَضٌ. وَقَالَ قَوْمٌ:
هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرُّوحُ مَعْنَى اجْتَمَعَ فِيهِ النُّورُ وَالطِّيبُ والعلو والعلم وَالْبَقَاءُ، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مَوْصُوفًا بِجَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِذَا خَرَجَ ذَهَبَ الْكُلُّ، وَأُولَى الْأَقَاوِيلِ: أَنْ يُوكَلَ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ عَلَى الرُّوحِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قِيلَ: مِنْ عِلْمِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: خِطَابٌ لِلْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا الْعِلْمُ الْكَثِيرُ. وَقِيلَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَعْنَى الرُّوحِ وَلَكِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا لِأَنَّ تَرْكَ إِخْبَارِهِ بِهِ كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجلّ استأثر بعلمه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، [يَعْنِي الْقُرْآنَ، مَعْنَاهُ: إِنَّا كَمَا مَنَعْنَا عِلْمَ الرُّوحِ عَنْكَ وَعَنْ غَيْرِكَ، لَوْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَعْنِي الْقُرْآنَ] [٣]، ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا، أَيْ: مَنْ يَتَوَكَّلُ بِرَدِّ الْقُرْآنِ إِلَيْكَ.
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ: وَلَكِنْ لَا نَشَاءُ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ. إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَذْهَبُ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ مَحْوُهُ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَإِذْهَابُ مَا فِي الصُّدُورِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: اقرؤوا الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ فَإِنَّهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ. قِيلَ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ تُرْفَعُ فَكَيْفَ بِمَا فِي صُدُورِ النَّاسِ؟ قَالَ: يَسْرِي عَلَيْهِ لَيْلًا فَيُرْفَعُ مَا فِي صُدُورِهِمْ فَيُصْبِحُونَ لَا يَحْفَظُونَ [منه] [٤] شَيْئًا وَلَا يَجِدُونَ فِي الْمَصَاحِفِ شَيْئًا، ثُمَّ يُفِيضُونَ فِي الشِّعْرِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَرْجِعَ الْقُرْآنُ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ، لَهُ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، [فَيَقُولُ الرَّبُّ مَا لَكَ وَهُوَ أَعْلَمُ] ؟ [٥] فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أُتْلَى وَلَا يُعْمَلُ بِي.
قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً، عونا ومظاهرا، فنزلت حِينَ قَالَ الْكُفَّارُ: لَوْ نَشَاءُ

(١) في المطبوع «يحيل».
(٢) زيد في المطبوع وط.
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.

صفحة رقم 160
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية