آيات من القرآن الكريم

أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

الآية لفظها لفظ الأمر، ومعناها التهديد، ومثلها في الكلام أن تقول للانسان: اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك. قال الزجاج: إذا تقدم الأمرَ نهيٌ عما يؤمر به، فمعناه التهديد والوعيد، تقول للرجل: لا تدخُلَنْ هذه الدار فاذا حاول أن يدخلها قلت: ادخُلها وأنت رجل، فلستَ تأمره بدخولها، ولكنك تُوعِده وتهدّده، ومثله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ «١» وقد نُهُوا أن يعملوا بالمعاصي. وقال ابن الانباري: هذا أمر معناه التهديد، تقديره: إِن فعلت هذا عاقبناك وعذَّبناك، فنقل إِلى لفظ الأمر عن الشّرط، كقوله تعالى:
فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «٢».
قوله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قد شرحناه في الحجر «٣». قوله تعالى: وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا قال الزجاج: كفى به وكيلاً لأوليائه يعصمهم من القبول من إِبليس.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٦ الى ٧٠]
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠)
قوله تعالى: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ أي: يسيِّرها. قال الزجاج: يقال: زجيت الشيء، أي قدمته. قوله تعالى: لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي: في طلب التجارة. وفي «من» ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها زائدة. والثاني: أنها للتبعيض. والثالث: أن المفعول محذوف، والتقدير: لتبتغوا من فضله الرزق والخير، ذكرهنَّ ابن الأنباري.
قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً هذا الخطاب خاصّ للمؤمنين، ثم خاطب المشركين فقال:
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ يعني: خوفَ الغَرَقِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ أي: يَضِلُّ من يدعون من الآلهة، إِلا الله تعالى. ويقال: ضَلَّ بمعنى غاب، يقال: ضَلَّ الماء في اللَّبَن: إِذا غاب، والمعنى: أنكم أخلصتم الدعاء لله، ونسيتم الأنداد. وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل: «ضَلَّ مَنْ يَدْعُون» بالياء. فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن الإِيمان والإِخلاص وَكانَ الْإِنْسانُ يعني الكافر كَفُوراً بنعمة ربِّه. أَفَأَمِنْتُمْ إِذا خرجتم من البحر أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «نخسف بكم» «أو نرسل» «أن نعيدكم» «فنرسل» «فنغرقكم» بالنون في الكل. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، بالياء في الكل. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، بالياء في الكلّ. ومعنى يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ، أي: نغيبكم ونذهبكم في ناحية البر، والمعنى: إِن حكمي نافذ في البرّ نفوذه في البحر، أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الحاصب: حجارة من السماء، قاله قتادة. والثاني:
أنه الريح العاصف تحصب، قاله أبو عبيدة، وأنشد للفرزدق:

(١) سورة فصلت: ٤٠. [.....]
(٢) سورة الكهف: ٢٩.
(٣) سورة الحجر: ٤٢.

صفحة رقم 38

مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الريح تَضْرِبُهُم بِحَاصِبٍ كنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ
وقال ابن قتيبة: الحاصب: الريح، سميت بذلك لأنها تَحْصِبُ، أي: ترمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الحاصب الريح التي فيها الحصى. وإِنما قال في الريح: حاصِباً ولم يقل: «حاصبة» لأنه وصْفٌ لزم الريح ولم يكن لها مذكَّر تنتقل إِليه في حال، فكان بمنزلة قولهم: «حائض» للمرأة، حين لم يُقَلْ: رجل حائض. قال: وفيه جواب آخر، وهو أن نعت الريح عُريٌ من علامة التأنيث، فأشبهت بذلك أسماء المذكَّر، كما قالوا: السماء أمطر، والأرض أنبت. والثالث: أن الحاصب: التراب الذي فيه حصباء، قاله الزّجّاج.
قوله تعالى: ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أي: مانعاً وناصراً.
قوله تعالى: أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ أي: في البحر تارَةً أُخْرى أي: مَرَّة أُخرى، والجمع:
تارات. فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شيء. قال ابن قتيبة:
القاصف: الريح التي تقصف الشجر، أي: تكسره.
قوله تعالى: فَيُغْرِقَكُمْ وقرأ أبو المتوكّل، وأبو جعفر، وشيبة، ورويس: «فتغرقكم» بالتاء، وسكون الغين، وتخفيف الراء. وقرأ أبو الجوزاء، وأيوب: «فيغرِّقكم» بالياء، وفتح الغين، وتشديدها.
وقرأ أبو رجاء مثله، إِلا أنه بالتاء بِما كَفَرْتُمْ أي: بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً قال ابن قتيبة: أي: من يتبع بدمائكم، أي: يطالبنا. قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ريح العذاب أربع، اثنتان في البر، واثنتان في البحر، فاللَّتان في البَرِّ: الصَّرْصَر، والعَقِيم، واللتان في البحر: العاصف، والقاصف.
قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ أي: فضَّلناهم. قال أبو عبيدة: و «كرَّمنا» أشد مبالغة من «أكرمنا». وللمفسرين فيما فُضِّلوا به أحد عشر قولاً: أحدها: أنهم فضِّلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإِسرافيل، ومَلَك الموت، وأشباههم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المراد: المؤمنين منهم، ويكون تفضيلهم بالإِيمان. والثاني: أن سائر الحيوان يأكل بفيه، إِلا ابن آدم فإنه يأكل بيده، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس. وقال بعض المفسرين:
المراد بهذا التفضيل: أكلهم بأيديهم، ونظافة ما يقتاتونه، إِذ الجن يقتاتون العظام والرَّوث. والثالث:
فُضِّلوا بالعقل، روي عن ابن عباس. والرابع: بالنطق والتمييز، قاله الضحاك. والخامس: بتعديل القامة وامتدادها، قاله عطاء. والسادس: بأن جعل محمّدا صلى الله عليه وسلّم منهم، قاله محمد بن كعب. والسابع: فضِّلوا بالمطاعم واللَّذات في الدنيا، قاله زيد بن أسلم. والثامن: بحسن الصورة، قاله يمان. والتاسع:
بتسليطهم على غيرهم من الخلق، وتسخير سائر الخلق لهم، قاله محمد بن جرير. والعاشر: بالأمر والنهي، ذكره الماوردي. والحادي عشر: بأن جعلت اللِّحى للرجال، والذوائب للنساء، ذكره الثعلبي.
فإن قيل: كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل، وفيهم الكافر المُهان؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنه عامل الكل معاملة المكرَم بالنعم الوافرة. والثاني: أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة، أجرى الصِّفة على جماعتهم، كقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «١».
(١) سورة آل عمران: ١١٠.

صفحة رقم 39
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية