آيات من القرآن الكريم

رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

إليَّ، (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) يحتمل قوله: (سُلْطَانٌ)، أي: حجة؛ لأنهم إنما يتبعون أمر اللَّه بحججه؛ فلا يتبعون الشيطان بأمانيه التي يمنيهم، وشبهاته التي يشبه عليهم.
أو أن يكون قوله: (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، أي: سلطان القهر والغلبة؛ إنما له عليهم الدعاء والتزيين لا غير.
أو أن يكون قوله: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ): من الحجة والملك على ما ذكرنا؛ إنما سلطانه عليهم سلطان الولاية على الذين يتولونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا).
يحتمل: (وَكِيلًا): عاصفا يعصمك عن تمويهاته وتسويلاته، وناصرًا ينصرك على مكائده، أو مفزعًا تفزع إليه، أو معتمدًا تعتمد عليه في جميع أمورك، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ).
(يُزْجِي) يجري وشمير ويسوق الفلك في البحر.
قال الحسن: أي: سخر الفلك والسفن لنا في البحر، والدواب في البر؛ لنقطع بها البحار والمفاوز والبراري؛ لنصل بذلك إلى حوائجنا التي جعلت لنا في البلدان النائية والأمكنة البعيدة.
وكذلك قال في قوله - تعالى -: (يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)، أي: سخر لنا ذلك.
ونحن نقول كذلك: سخر لنا ما ذكر، إلا أن إضافة ذلك إليه على قولنا: إن أفعالنا مخلوقة له. ثم يذكر فيه قدرته وسلطانه وعلمه حيث خلق الخشب، وجعل فيه معنى: يقر على وجه الماء مع ثقله، ومن طبع الشيء الثقيل التسرب في الماء والتسفل فيه، ولا

صفحة رقم 82

نفهم المعنى الذي به تقر على وجه الماء، وإن كان دون ذلك في الثقل يتسفل فيه ويتسرب.
أو جعل ذلك بطبعه بحيث يقر على وجه الماء ولا يتسرب فيه؛ لطفًا منه؛ فمن قدر على إنشاء ما يقر على وجه الماء لمعنى جعل فيه لا نعقله نحن، أو بلطفه - لقادر على إنشاء هذا الخلق وإعادته بعد فنائه وذهابه، وإن كانت عقول الخلائق لا تدرك ذلك، وأفهام البشر تعجز عن دركه؛ فكما قدر على إنشاء ما هو طبعه التسرب في الماء والتسفل فيه، بحيث يقرّ ويركد على الماء يقدر على ما ذكرنا، وحيث قدر على تسكين الأمواج في البحر؛ ليعبر فيها، وخلق رياحًا فيها لتجري السفن كما تجري بالماء الجاري؛ فمن قدر على هذا يقدر على ما ذكرنا من الإحياء بعد الفناء.
وفيه ما ذكرنا من تذكير نعمه لنا؛ لنشكره، وتذكيره قدرته وسلطانه؛ لنهاب منه، ولا ننكر قدرته وسلطانه في شيء من الأشياء على ما أنكر قدرته بعض خلقه؛ لقصور عقولهم عن درك ذلك. وفيه وجوه من الدلالة:
أحدها: تعليم الأسباب التي بها يوصل إلى قطع البحار والبراري من اتخاذ السفن والحمل عليها وغير ذلك.
والثاني: تسخير البحار والبراري لنا ما لولا ذلك ما تهيأ لنا استعمال ذلك.
والثالث: دلالة الرسالة؛ إذ لولا خبر السماء، وإلا: ما يعرف أن ما يحتاج إليه هو في تلك البلدان النائية والأمكنة البعيدة، وما يعلم أن ذلك الطريق يفضي إلى تلك الأمكنة إلا بخبر الرسول عن اللَّه، تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: من رحمته أن جعل لكم الفلك والدواب؛ لتصلوا بها إلى أرزاقكم التي في البلاد النائية البعيدة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنه لم يزل بكم رحيمًا إذا تبتم ورجعتم عن ذلك.
أو كانت الآية في المؤمنين؛ فهو لم يزل بهم رحيمًا، وإن كانت في الأرزاق فيهم جميعًا.
فإن قالت الثنوية: إنكم تصفون ربكم بالرحمة والرأفة، وهو يميتكم، ويقتلكم، ويحمل عليكم الشدائد والمؤن العظام؛ فذلك ليس من صفة الرحيم.

صفحة رقم 83
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية