
وَقِيلَ: الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ هِيَ: الَّتِي تَلْتَوِي عَلَى الشَّجَرِ فَتُجَفِّفُهُ يَعْنِي الْكَشُوثَ (١).
﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمُ﴾ التَّخْوِيفُ ﴿إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ أَيْ: تَمَرُّدًا وَعُتُوًّا عَظِيمًا.
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (٦٤) ﴾
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ أَيْ: خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ أَنَا جِئْتُ بِهِ وَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِبْلِيسَ حَتَّى أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ مِنْ عَذْبِهَا وَمِلْحِهَا فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ فَمَنْ خَلَقَهُ مِنَ الْعَذْبِ فَهُوَ سَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ ابْنَ كَافِرِينَ وَمَنْ خَلَقَهُ مِنَ الْمِلْحِ فَهُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ كَانَ ابْنَ نَبِيِّينَ (٢). ﴿قَالَ﴾ يَعْنِي: إِبْلِيسُ ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾ أَيْ: أَخْبِرْنِي وَالْكَافُ لِتَأْكِيدِ الْمُخَاطَبَةِ ﴿هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ أَيْ: فَضَّلْتَهُ علي ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِي﴾ أَمْهَلْتَنِي ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ أَيْ: لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالْإِضْلَالِ يُقَالُ: احْتَنَكَ الْجَرَادُ الزَّرْعَ إِذَا أَكَلَهُ كُلَّهُ وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ حَنَّكَ الدَّابَّةَ يُحَنِّكُهَا: إِذَا شَدَّ فِي حَنَكِهَا الْأَسْفَلِ حَبْلًا يَقُودُهَا أَيْ: لَأَقُودَنَّهُمْ كَيْفَ شِئْتُ وَقِيلَ لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِغْوَاءِ ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ يَعْنِي الْمَعْصُومِينَ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ" (الْحِجْرِ-٤٢). ﴿قَالَ﴾ اللَّهُ: ﴿اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ﴾ أي: جزاءك وَجَزَاءُ أَتْبَاعِكَ ﴿جَزَاءً مَوْفُورًا﴾ وَافِرًا مُكَمَّلًا يُقَالُ: وَفَّرْتُهُ أُوَفِّرُهُ وَفْرًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾ وَاسْتَخْفِفْ وَاسْتَجْهِدْ ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ﴾ أَيْ: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ
(٢) أخرجه الطبري: ١٥ / ١١٦ عن ابن عباس موقوفا.

﴿بِصَوْتِكَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: بِدُعَائِكَ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَكُلُّ دَاعٍ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ [فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ ادْعُهُمْ دُعَاءً تَسْتَفِزُّهُمْ بِهِ إِلَى جَانِبِكَ أَيْ: تَسْتَخِفُّهُمْ] (١).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ (٢).
﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ قِيلَ: اجْمَعْ عَلَيْهِمْ مَكَايِدَكَ وَخَيْلَكَ، وَيُقَالُ: "أَجَلَبُوا" وَ"جَلَبُوا" إِذَا صَاحُوا يَقُولُ: صِحْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَحُثَّهُمْ عَلَيْهِ بِالْإِغْوَاءِ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِرُكْبَانِ جُنْدِكَ وَمُشَاتِهِمْ وَالْخَيْلُ: الرُّكْبَانِ وَالرَّجِلُ: الْمُشَاةُ.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعَاصِي اللَّهِ فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرَجِلًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُقَاتِلُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالرَّجُلُ وَالرَّجَّالَةُ وَالرَّاجِلَةُ وَاحِدٌ يُقَالُ: رَاجِلٌ وَرَجُلٌ مِثْلُ: تَاجِرٍ وَتَجُرٍّ وَرَاكِبٍ وَرَكِبٍ وَقَرَأَ حَفْصٌ وَرَجِلِكَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُمَا لُغَتَانِ.
﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ فَالْمُشَارَكَةُ فِي الْأَمْوَالِ: كُلُّ مَا أُصِيبَ مِنْ حَرَامٍ أَوْ أُنْفِقَ فِي حَرَامٍ هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْحُسْنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ الرِّبَا وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحَرِّمُونَهُ مِنَ الْأَنْعَامِ كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ.
وَقَالَ الضَّحَاكُ: هُوَ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ (٣).
وَأَمَّا الشَّرِكَةُ فِي الْأَوْلَادِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عباس: أنها المؤودة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَاكُ: هُمْ أَوْلَادُ الزِّنَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: هُوَ أَنَّهُمْ هَوَّدُوا أَوْلَادَهُمْ وَنَصَّرُوهُمْ وَمَجَّسُوهُمْ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى: هُوَ تَسْمِيَتُهُمُ الْأَوْلَادَ عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَعَبْدَ الدار ونحوها (٤) ٢١١/أ
(٢) وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله تعالى قال لإبليس: واستفزز من ذرية آدم من استطعت أن تستفزه بصوتك ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وإلى طاعته وخلافا للدعاء إلى طاعة الله فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله تبارك اسمه له: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك". الطبري: ١٥ / ١١٨.
(٣) فكل ما أطيع الشيطان فيه من مال وعصى الله فيه، كإنفاق المال في حرام أو اكتسابه من حرام أو ذبح للآلهة أو تسييب أو بحر للشيطان وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس فلا وجه لخصوص بعض دون بعض.
(٤) كل هذه الأوجه في الآية داخل في معناها دون تخصيص لوجه من الوجوه.

وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقْعُدُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ فَإِذَا لَمْ يَقُلْ: "بِسْمِ اللَّهِ" أَصَابَ مَعَهُ امْرَأَتَهُ وَأَنْزَلَ فِي فَرْجِهَا كَمَا يُنْزِلُ الرَّجُلُ.
وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: إِنَّ فِيكُمْ مُغْرِبِينَ قِيلَ: وَمَا الْمُغْرِبُونَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُشَارِكُ فِيهِمُ الْجِنُّ (١).
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ امْرَأَتِي اسْتَيْقَظَتْ وَفِي فَرْجِهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ مِنْ وَطْءِ الْجِنِّ.
وَفِي الْآثَارِ: أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُخْرِجَ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ: يَا رَبِّ أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ لِأَجْلِ آدَمَ فَسَلِّطْنِي عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ قَالَ: أَنْتَ مُسَلَّطٌ فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلَّا بِكَ فَزِدْنِي قَالَ: استفزز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الْآيَةَ فَقَالَ آدَمُ: يَا رَبِّ سَلَّطْتَ إِبْلِيسَ عَلَيَّ وَعَلَى ذُرِّيَّتِي وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلَّا بِكَ قَالَ: لَا يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ إِلَّا وَكَّلْتُ بِهِ مَنْ يَحْفَظُونَهُ قَالَ: زِدْنِي قَالَ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا قَالَ: زِدْنِي قَالَ: التَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ مَا دَامَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ فَقَالَ: زِدْنِي قَالَ: "يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ" الْآيَةَ (٢) (الزُّمُرِ-٥٣).
وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا رَبِّ بَعَثْتَ أَنْبِيَاءَ وَأَنْزَلْتَ كُتُبًا فَمَا قِرَاءَتِي؟ قَالَ: الشِّعْرُ قَالَ: فَمَا كِتَابِي؟ قَالَ: الْوَشْمُ قَالَ: وَمَنْ رُسُلِي؟ قَالَ: الْكَهَنَةُ قَالَ: وَأَيْنَ مَسْكَنِي؟ قَالَ الْحَمَّامَاتُ قَالَ: وَأَيْنَ مَجْلِسِي؟ قَالَ: الْأَسْوَاقُ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ مَطْعَمِي؟ قَالَ: مَا لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمِي قَالَ: مَا شَرَابُهُ؟ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ قَالَ: وَمَا حِبَالِي؟ قَالَ النِّسَاءُ قَالَ: وَمَا أَذَانِي؟ قَالَ: الْمَزَامِيرُ (٣).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَعِدْهُمْ﴾ أَيْ: مَنِّهِمُ الْجَمِيلَ فِي طَاعَتِكَ. وَقِيلَ: قُلْ لَهُمْ: لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ وَلَا بَعْثَ.
﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ وَالْغُرُورُ تَزْيِينُ الْبَاطِلِ بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ حَقٌّ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ" (الْأَعْرَافِ-٢٨) ؟
قِيلَ: هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّهْدِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ" (فُصِّلَتْ-٤٠) وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: افْعَلْ مَا شِئْتَ فَسَتَرَى (٤).
(٢) عزاه السيوطي للبيهقي في "الشعب" وابن عساكر بنحوه عن ثابت قال: بلغنا أن إبليس.. انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣١٣.
(٣) أخرجه ابن الجوزي في ذم الهوى ص (١٥٥) من طريق الطبراني في المعجم الكبير، وهو منكر تفرد به يحيى بن صالح، وثبت منه: "وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه".. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة: ٤ / ٦٧.
(٤) انظر: زاد المسير: ٥ / ٥٩.