آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

يرويه عن ربه [ تعالى قال]: " إذا ابتليت عبدي [بلاء] فصبر أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه وإن أنا قبضته في علّته تلك قبضته إلى رحمتي وكرامتي ".
قوله: ﴿وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب﴾ إلى قوله: ﴿أَكْثَرَ نَفِيراً﴾.
معنى القضاء في اللغة: أحكام الشيء والفراغ منه. فمعنى الآية: وفرغ ربك إلى بني إسرائيل فيما أنزل من كتابه إلى موسى [ ﷺ] إنكم يا بني إسرائيل تعصون الله وتخ [ا] لفون أمره وتستكبرون عليه استكباراً شديداً مرة بعد مرة. قال ابن عباس وابن زيد: ﴿وَقَضَيْنَآ [إلى بَنِي] إِسْرَائِيلَ﴾ أعلمناهم بذلك في

صفحة رقم 4139

كتابهم.
وقيل: معناه: إن ذلك سبق في أم الكتاب عليهم أنهم يفسدون ويخالفون أمر الله [سبحانه] ويستكبرون في الأرض مرتين. قاله قتادة.
وروي [ذلك] أيضاً عن ابن عباس قال: [قضاء] قضاه الله [ تعالى] على القوم كما تسمعون. قال مجاهد: دخلت على ابن عباس فقلت: إن على الباب رجل يقول في القدر. فقال: ادخلوه علي. فقلت ما تريد به؟ قال: اقرءوا عليه قول الله: ﴿وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ قال فقضى عليهم ليفسدن في الأرض مرتين وليعلن علواً كبيراً قبل أن يخلقهم، فقضى عليهم ما علم أنهم عاملون، وكتبه عليهم ففعلوه.
قال ابن عباس وابن مسعود: كان إفساد بني إسرائيل [في الأرض] في أول

صفحة رقم 4140

مرة قتل زكرياء [ ﷺ] فبعث الله [ تعالى] عليهم ملك [ال] نبط. فبعث إليهم الجمود من أهل فارس، فهم أولوا بأس شديد. / فتحصنت بنو إسرائيل وخرج فيهم بختنصر يتيماً مسكيناً، خرج يستطع [م] وتلطف حتى دخل المدينة. فأتى مجالسهم فسمعهم يقولون: لو علم عدونا ما قذف في قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا، فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم واشتد القيام على الجيش فرجعوا فذلك قوله: ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ الآية: ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم فاستنفذوا ما في أيديهم، فذلك قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ﴾ الآية. و " نفيراً " معناه عدداً.
وقال ابن زيد: كان إفسادهم الأول قتل زكرياء، والثاني قتل يحيى.

صفحة رقم 4141

فسلط الله عليهم ابور ذا الاكتاف، وهو ملك من ملوك فارس، في قتل زكرياء، وسلط عليهم بختنصر في قتل يحيى.
وقال قتادة: بعث عليهم أول مرة جالوت والثانية بختنصر.
ومعنى قوله: ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ أي: أول المرتين اللتين قضينا إلى بني إسرائيل، أي أو [ل]. الفسادين.
وقوله: ﴿فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار﴾.
أي: ترددوا بين الدور والمساكن وذهبوا وجاءوا.
وقال ابن عباس: " جاسوا " مشوا. وقال الزجاج: الجوس طلب الشيء

صفحة رقم 4142

باستقصاء. فمعناه: طلبوا هل يجدون أحداً.
وقال بعض أهل اللغة: معنى " جاسوا " قتلوا.
وقوله: ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾.
أي: كان جوس القوم خلال ديار بني إسرائيل وعداً من الله [ تعالى]، لا يخلف.
قال ابن عباس وقتادة: أتاهم في المرة الأولى جالوت فجاس خلال ديار بني إسرائيل وضرب عليهم الخراج والذل. فسألوا الله [ تعالى] أن يبعث إليهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله. فبعث الله طالوت. فقاتلوا جالوت، فنصره الله، وقتل جالوت، على يدي داوود ورد الله [ تعالى] إلى بني إسرائيل ملكهم.
وعن مجاهد أنه قال: جاءهم بختنصر في أول مرة من جهة فارس فهزمهم بنو إسرائيل، ثم رجعوا ثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمر [و] هم تدميراً، وجلوهم عن بيت المقدس فلم يصلوا إلى دخوله سبعين سنة.

صفحة رقم 4143

وروي عن مجاهد أنه قال: إنما جاءهم في أول مرة قوم من أهل فارس معهم بختنصر يتجسسون أخبارهم ثم رجعت فارس وقد وعى بختنصر أخبارهم دون أصحابه، ولم يكن قتال.
وقيل: إنما جاءهم في المرة الأولى، أي: بختنصر ومن معه من جبابرة فارس، بعثه الله نقمة لهم حين أفسدوا وقتلوا يحيى بن زكرياء. ويروى: أن يحيى كان قد قال لهم: إياكم أن يقع من دمي شيء في الأرض فتهلك بنو إسرائيل. فذبحوه واحتفظوا بدمه، فجعلوه في طست من ذهب. فوقعت منه نقطة في الأرض / فما زالت تفور وتغلي حتى هجم عليهم بختنصر.
فيروى: أنه ذبح على ذلك الدم سبعين ألفاً من بني إسرائيل، فهدأ الدم. سبى بني إسرائيل حتى سبى أبنائهم وخرج بهم إلى أرض العراق.
ويروى: أن الفساد الثاني الذي ارتكب بنو إسرائيل هو قتلهم زكرياء ويحيى عليهم السلام بعد أن أقاموا في الدعة والسلامة عشرين ومائتي سنة. فأرسل عليهم من قتلهم وسباهم، وحرق بيت المقدس وأخرجه. فلم يزل الذين ظهروا عليهم ببيت

صفحة رقم 4144

المقدس حتى فتحه الله تعالى في زمان عمر رضي الله عنهـ وفيه الروم فقتلوا وأخرجوا منه إلى الآن لا يدخلونه إلا مستخفين.
وقوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ﴾.
قال السدي: هي ما نصر الله تعالى بني إسرائيل، إذ غزوا النبط، فأصابوا منهم واستنقدوا ما في أيديهم.
وقيل: هو إطلاق الملك الذي غزاهم [ما في يديه من] أسراهم ورد ما كان أصاب من أموالهم من غير قتال، سخره الله تعالى لذلك فهو رد الكرة لبني إسرائيل.

صفحة رقم 4145
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية