آيات من القرآن الكريم

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

وَأَمَّا الزَّبُورُ فَذُكِرَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ [١٦٣].
وَالزَّبُور: اسْم لمجموع أَقْوَال دَاوُود- عَلَيْهِ السَّلَامُ- الَّتِي بَعْضُهَا مِمَّا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَبَعْضُهَا مِمَّا أُلْهِمَهُ مِنْ دَعَوَاتٍ وَمُنَاجَاةٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ بِكِتَابِ الْمَزَامِيرِ مِنْ كُتُبِ الْعَهْد الْقَدِيم.
[٥٦]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٥٦]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦)
لَمْ أَرَ لِهَذِهِ الْآيَة تَفْسِيرا ينثلج لَهُ الصَّدْرُ، وَالْحَيْرَةُ بَادِيَةٌ عَلَى أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَاهَا وَانْتِظَامِ مَوْقِعِهَا مَعَ سَابِقِهَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِقْرَاءِ كَلِمَاتِهِمْ. وَمَرْجِعُهَا إِلَى طَرِيقَتَيْنِ فِي مَحْمَلِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ إِحْدَاهُمَا فِي «تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ» وَابْنِ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ. وَثَانِيَتُهُمَا فِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» وَالْفَخْرِ غَيْرُ مَعْزُوَّةٍ لِقَائِلٍ.
وَالَّذِي أَرَى فِي تَفْسِيرِهَا أَنَّ جُمْلَةَ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ إِلَى تَحْوِيلًا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النبيئين [الْإِسْرَاء: ٥٥] وَجُمْلَةِ أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ [الْإِسْرَاء: ٥٧]. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْأَفْضَلِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَثْنَاءِ آيَةِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَقَالَتَهُمْ فِي اصطفاء مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرِّسَالَةِ وَاصْطِفَاءِ أَتْبَاعِهِ لِوِلَايَتِهِ وَدِينِهِ، وَهِيَ آيَةُ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْإِسْرَاء: ٥٥] إِلَى آخِرِهَا، جَاءَتِ الْمُنَاسَبَةُ لِرَدِّ مَقَالَةٍ أُخْرَى مِنْ مَقَالَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَهِيَ اعْتِذَارُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِأَنَّهُمْ مَا يَعْبُدُونَهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَجَعَلُوهُمْ عِبَادًا مُقَرَّبِينَ وَوَسَائِلَ لَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْمُقَرَّبِينَ حَقًّا انْتُهِزَتْ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِمْ لِتَكُونَ مَخْلَصًا إِلَى إِبْطَالِ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ وَسِيلَةِ أَصْنَامِهِمْ عَلَى عَادَةِ إِرْشَادِ الْقُرْآنِ مِنِ اغْتِنَامِ

صفحة رقم 138

مُنَاسَبَاتِ الْمَوْعِظَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أُسْلُوبِ الْخُطَبَاءِ. فَهَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةُ الْمَعْنَى بِآيَةِ قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [الْإِسْرَاء: ٤٢]. فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ بِبُرْهَانِ الْعَقْلِ عَادَ
إِلَى إِبْطَالِ إِلَهِيَّتِهِمُ الْمَزْعُومَةِ بِبُرْهَانِ الْحِسِّ. وَهُوَ مُشَاهَدَةُ أَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنْهُمْ كَشْفَ الضُّرِّ.
فَأَصْلُ ارْتِبَاطِ الْكَلَامِ هَكَذَا: وَلَقَدْ فضلنَا بعض النبيئين عَلَى بعض وآتينا دَاوُود زَبُورًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ الْآيَةَ. فَبِمُنَاسَبَةِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِابْتِهَالِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ ذَكَرَ ضِدَّ ذَلِكَ مِنْ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ. وَقَدَّمَ ذَلِكَ، عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي أَثَارَ الْمُنَاسَبَةَ، اهْتِمَامًا بِإِبْطَالِ فِعْلِهِمْ لِيَكُونَ إِبْطَالُهُ كَالْغَرَضِ الْمَقْصُودِ وَيَكُونَ ذِكْرُ مُقَابِلِهِ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ الْغَرَضِ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ إِصَابَةِ الْقَحْطِ قُرَيْشًا بِمَكَّةَ، وَهِيَ السَّبْعُ السُّنُونَ الَّتِي هِيَ
دَعْوَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ»
. وَتَسَلْسَلَ الْجِدَالُ وَأَخَذَ بَعْضُهُ بِحُجَزِ بَعْضٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ.
وَالْمُلْكُ بِمَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ وَالْقُدْرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الْمَائِدَة: ١٧]، وَقَوْلِهِ: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٧٦].
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ الْبَوْنِ بَيْنَ الدُّعَاءِ الْحَقِّ وَالدُّعَاءِ الْبَاطِلِ. وَمِنْ نَظَائِرِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٩٦- ١٩٧].
وَالْكَشْفُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِزَالَةِ.
وَالتَّحْوِيلُ: نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِزَالَةَ الضُّرِّ عَنِ الْجَمِيعِ وَلَا إِزَالَتَهُ عَنْ وَاحِدٍ إِلَى غَيره.

صفحة رقم 139
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية