
﴿وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا﴾ قوله عز وجل: ﴿وقالوا أئِذا كُنّا عظاماً ورفاتاً﴾ فيه تأويلان: أحدهما: أن الرفات التراب، قاله الكلبي والفراء. الثاني: أنه ما أرفت من العظام مثل الفتات، قاله أبو عبيدة، قال الراجز:
٨٩ (صُمَّ الصَّفَا رَفَتَ عَنْهَا أَصْلُهُ} ٩
قوله عز وجل: ﴿قل كونوا حجارةً أو حديداً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه إن عجبتم من إنشاء الله تعالى لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم، قاله أبو جعفر الطبري.

الثاني: معناه أنكم: لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر لأنه أبلغ من الإلزام، قاله علي بن عيسى. الثالث: معناه لو كنتم حجارة أو حديداً لأماتكم الله ثم أحياكم. ﴿أو خَلْقاً ممّا يكبر في صدوركم﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه عنى بذلك السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس، قاله مجاهد. الثاني: أنه أراد الموت لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه وقد قال أمية ابن أبي الصلت:
(نادوا إلههمُ ليسرع خلقهم | وللموت خلق للنفوس فظيعُ) |
(قلت لها صلي فقالت مِضِّ | وحركت لي رأسها بالنغضِ) |

وفي قوله: ﴿فتستجيبون بحمده﴾ أربعة أوجه: أحدها: فتستجيبون حامدين لله تعالى بألسنتكم. الثاني: فتستجيبون على ما يقتضي حمد الله من أفعالكم. الثالث: معناه فستقومون من قبوركم بحمد الله لا بحمد أنفسكم. الرابع: فتستجيبون بأمره، قاله سفيان وابن جريج. ﴿وتظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً﴾ فيه خمس أوجه: أحدها: إن لبثتم إلا قليلاً في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة، قاله الحسن. الثاني: معناه الاحتقار لأمر الدنيا حين عاينوا يوم القيامة، قاله قتادة. الثالث: أنهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث في القبور. الرابع: أنهم بين النفختين يرفع عنهم العذاب فلا يعذبون، وبينهما أربعون سنة فيرونها لاستراحتهم قليقلة؛ قاله الكلبي. الخامس: أنه لقرب الوقت، كما قال الحسن كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.
صفحة رقم 249