
رسول الله يصنعه فيه إلّا صنعته» «١» وقد يكون المأمون العباسي قد ردّ فدكا لآل النبي وأعطى حصة من الغنائم والفيء لذي قربى رسول الله ﷺ تأولا لآيات الغنائم والفيء مع القول إن ذلك ليس ثابتا يقينا. وليس من شأنه إذا صح أن يثبت شيئا من الروايات أو يجعل التأويل صحيحا. وإنما كان على الأرجح بل على اليقين من وحي الانفعالات الحزبية والاختلافات السياسية.
وكلمة ذَا الْقُرْبى جاءت في الآية مع المسكين، ولقد كان الأقوياء في الأسر قبل الإسلام يتطاولون على حقوق المستضعفين من أقاربهم في الإرث وبنوع خاص النساء والأيتام، ولقد شدد القرآن في منع ذلك في سياق تشريع الإرث في آيات عديدة في سورة النساء في العهد المدني حيث صار التشريع الملزم ممكنا، فالمتبادر أن حكمة الله اقتضت التنبيه على هذا في السورة المكية والأمر بإعطاء ذي القربى حقه ولو كان بأسلوب الحث الذي كان هو الأسلوب المكي وأن لا يتطاول عليه بالنسبة للضعفاء من ذوي القربى. والله تعالى أعلم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
. (١) أفاصفاكم: هل اختصكم واصطفاكم.
(٢) قولا عظيما: قولا عظيما في النكر والافتراء.
(٣) نفورا: بعدا وانصرافا.

(٤) لابتغوا: لتطلعوا إلى ذي العرش وحاولوا أن يتجاوزوا عليه.
الآيات واضحة والألفاظ والمعاني كذلك. والصلة ملموحة بينها وبين السياق السابق من حيث إن المجموعة والسابقة انتهت بالنهي عن اتخاذ إله آخر مع الله تعالى وأن هذه الآيات بدأت ملتفتة إلى الذين ينسبون إلى الله سبحانه ما لا يليق من اتخاذ والبنات ويشركون معه آلهة أخرى.
وواضح من الضمير المخاطب في الآية الأولى أن التسفيه والتقريع موجهان إلى العرب الذين يسمعون القرآن، وأن تلك العقيدة هي من عقائدهم، وقد تكرر هذا في القرآن بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها.
وقد احتوت الآية الأولى حجة جدلية للمساجلة حيث أرادت تقرير كون هذه العقيدة قد فقدت أي شيء من المنطق إذ كيف يجوز أن يظن أصحابها أن الله يتخذ لنفسه البنات وهنّ في نظرهم أدنى من البنين في حين أنه هو الذي يمنحهم البنين.
واحتوت الآية الثالثة حجة جدلية أخرى فلو كان لله سبحانه شركاء في كونه لما قبلوا أن يكونوا في مركز أدنى ولسعوا ليكونوا شركاء منافسين له في كل شيء.
واحتوت الآيتان الأخيرتان تنزيها لله تعالى عن هذا اللغو الباطل وتقريرا بوحدة ربوبيته وخضوع كل شيء له وتسبيح كل شيء باسمه وحمده ثم تنويها بصفتي الغفور الحليم الربانيتين كأنما أريد بهما في هذا المقام أن الله سبحانه وتعالى بمقتضى صفتيه هاتين لا يعجل بالعذاب على الذين يعتقدون ويقولون تلك العقائد والأقوال التي لا تليق بحقه، ويحلم عليهم ويفسح المجال لهم للتوبة ويشملهم بغفرانه.
وروح الآيات تلهم أن الذين كانوا يعتقدون أن لله سبحانه شركاء ويقولون إن الملائكة بناته كانوا يسلمون بأنه تعالى هو الإله الأعظم خالق الأكوان ومدبرها.
مما ورد في آيات عديدة أوردناها في مناسبات سابقة. ومن هنا كانت الحجة ملزمة قارعة والتنديد محكما بليغا.

ولقد ذكر بعض المفسرين في صدد تسبيح ما في كون الله تعالى من موجودات متنوعة أقوالا ورووا روايات عديدة والرواية غير وثيقة الأسناد وفيها وفي الأقوال غرابة وتكلف ولم نر طائلا وفائدة في إيراد ذلك. على أن جمهورهم قرروا أن هذا التسبيح هو بلسان الحال وعلى معنى الخضوع لحكم الله ومطلق تصرفه وكون ما في الكون هو من صنعه وخلقه وقد منحه الله ما هو في حاجة إليه.
وهذا هو الأوجه المتسق من العبارة فحوى روحا كما هو ظاهر.
وقد تلهم الآية الأولى أن الآيات بسبيل التعقيب على مشهد جدلي وجاهي بين النبي ﷺ والكفار حيث قال هؤلاء إننا نعتقد بالله وإنما نتخذ الملائكة شفعاء لديه لأنهم بناته فنزلت الآيات مفنّدة مقرّعة منزّهة. وهذا إن صح لا يتعارض مع ما قررناه من الصلة بينها وبين ما سبقها.
تعليق على تحديد عدد السموات بسبع
وهذه أول مرة يحدد فيها عدد السموات بسبع، وقد تكرر هذا في أكثر من سورة منها المكي ومنها المدني.
وفي الإصحاحات الأولى من سفر التكوين التي ذكرت كيف بدأ الله تعالى خلق الأكوان وردت جملة (السموات والأرض) فقط بدون عدد. وهذه الجملة هي أكثر ما ورد في القرآن أيضا.
وفي كتب التفسير والحديث أحاديث نبوية ورد فيها عدد السموات سبعا.
ومن هذه الأحاديث ما ورد في الصحاح أيضا، وهذا واحد منها رواه الترمذي عن أبي هريرة قال «بينما نبيّ الله جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم، قال هذا العنان روايا الأرض يسوقه الله تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه. ثمّ قال هل تدرون ما فوقكم، قالوا الله ورسوله أعلم، قال فإنها سقف محفوظ وموج مكفوف، قال هل تدرون كم بينكم وبينها، قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة. ثمّ قال هل تدرون ما

فوق ذلك، قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنّ فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتّى عدّد سبع سموات ما بين كلّ سماءين كما بين السّماء والأرض.
ثمّ قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنّ فوق ذلك العرش.
وبينه وبين السّماء بعد مثل ما بين السماءين. ثمّ قال هل تدرون ما الذي تحت ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتّى عدّد سبع أرضين بين كلّ أرضين مسيرة خمسمائة سنة. ثمّ قال والذي نفسي بيده لو أنكم دلّيتم رجلا بحبل إلى الأرض السّفلى لهبط على الله. ثم قرأ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (٣) «١» وليس في هذا الحديث ولا في غيره من الصحاح إيضاح للماهية.
ومع واجب الإيمان بما يثبت عن رسول الله ﷺ وإيكال ما لا يدرك تأويله عقل الإنسان إلى الله تعالى فإنه يلمح من الحديث حكمة صدوره وحكمة حديثه وهي التنويه بعظمة الله تعالى وقدرته وعظمة كونه كما هو المتبادر.
ولم نطلع في كتب التفسير على شيء معقول وثيق في ماهية السموات السبع إلا ما جاء في الجزء الأول من محاسن التأويل للقاسمي الذي قال فيه إن بعض علماء الفلك قالوا إن السموات السبع هي السيارات السبع في العالم الشمسي وإن بعض علماء اللغة ذكروا أن عدد (سبع) و (سبعين) و (سبعمائة) يورد أحيانا للتعبير عن الكثرة في مراتب الآحاد والعشرات والمئات.
ومهما يكن من أمر فإن ورود العدد في الآية بحرف التعريف قد يدل على أن سامعي القرآن من العرب أو كان بعضهم يعرفون أن عدد السموات سبع، وإن المتبادر من صيغة الآية وروحها أن ذكر العدد فيها ليس بقصد تقرير فني عددي لذاته وإنما هو بقصد التنويه بأن جميع ما خلق الله تعالى خاضع له مسبح بحمده