(إِنَّهُ) : فِي الْهَاءِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْوَلِيِّ. وَالثَّانِي: إِلَى الْمَقْتُولِ. وَالثَّالِثُ: إِلَى الدَّمِ. وَالرَّابِعُ: إِلَى الْقَتْلِ.
وَالْخَامِسُ: إِلَى الْحَقِّ.
وَالسَّادِسُ: إِلَى الْقَاتِلِ ; أَيْ إِذَا قُتِلَ سَقَطَ عَنْهُ عِقَابُ الْقَتْلِ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَقْدِيرُهُ: إِنَّ ذَا الْعَهْدِ ; أَيْ كَانَ مَسْئُولًا بِعَهْدِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْعَهْدِ، وَنُسِبَ السُّؤَالُ إِلَيْهِ مَجَازًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) [التَّكْوِيرِ: ٨]. قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْقِسْطَاسِ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا ; وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَ (تَأْوِيلًا) : بِمَعْنَى مَآلًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ) : الْمَاضِي مِنْهُ: قَفَا، إِذَا تَتَبَّعَ. وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ مِثْلَ تَقُمْ ; وَمَاضِيهِ قَافَ يَقُوفُ، إِذَا تَتَبَّعَ أَيْضًا.
(كُلُّ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «أُولَئِكَ» : إِشَارَةٌ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ، وَأُشِيرَ إِلَيْهَا بِأُولَئِكَ وَهِيَ فِي الْأَكْثَرِ لِمَنْ يَعْقِلُ ; لِأَنَّهُ جَمَعَ ذَا، وَذَا لِمَنْ يَعْقِلُ وَلِمَا لَا يَعْقِلُ ; وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ:
بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ وَ (كَانَ) وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ: الْخَبَرُ، وَاسْمُ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى كُلٍّ، وَالْهَاءُ فِي «عَنْهُ» تَرْجِعُ إِلَى كُلٍّ أَيْضًا، وَ «عَنْ» يَتَعَلَّقُ بِمَسْئُولٍ. وَالضَّمِيرُ فِي مَسْئُولٍ لِكُلٍّ أَيْضًا ; وَالْمَعْنَى: إِنَّ السَّمْعَ يُسْأَلُ عَنْ نَفْسِهِ ; عَلَى الْمَجَازِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي كَانَ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْجَوَارِحِ ; لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَكُونُ «عَنْهُ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَسْئُولٍ ; كَقَوْلِهِ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ) [الْفَاتِحَةِ: ٧] وَهَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يُقَامُ مَقَامَ الْفَاعِلِ إِذَا تَقَدَّمَ الْفِعْلُ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَمَّا إِذَا تَأَخَّرَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْفِعْلِ صَارَ مُبْتَدَأً، وَحَرْفُ الْجَرِّ إِذَا كَانَ لَازِمًا لَا يَكُونُ مُبْتَدَأً. وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ: بِزَيْدٍ انْطَلَقَ. وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ ثَنَّيْتَ لَمْ تَقُلْ: بِالزَّيْدَيْنِ انْطَلَقَا، وَلَكِنْ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَجْعَلَ الضَّمِيرَ فِي «مَسْئُولًا» لِلْمَصْدَرِ ; فَيَكُونُ «عَنْهُ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، كَمَا تُقَدَّرُ فِي قَوْلِكَ: بِزَيْدٍ انْطَلَقَ.