آيات من القرآن الكريم

وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

سورة الإسراء
كلها مكية وقد جزم البيضاوي في تفسيره بذلك، وقيل: كلها إلا آيات وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ.. فإنها نزلت حين جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد ثقيف، وحين قالت اليهود: ليست هذه- أى المدينة- بأرض الأنبياء، وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وإِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ فهذه الآيات الثلاث مدنية، ويظهر والله أعلم أن الأصح رأى البيضاوي، وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة آية.
وتسمى سورة بنى إسرائيل.
وهذه السورة عالجت العقيدة الإسلامية في شتى مظاهرها، فتراها تكلمت عن الرسول ورسالته، والقرآن وهدايته وموقف القوم منه، ثم عن الإنسان وسلوكه وأسس المجتمع الإسلامى السليم، وامتازت بتنزيه الله عما يقوله المشركون، وفي ثنايا ذلك كله قصص عن بنى إسرائيل، وذكرت طرفا من قصة آدم، وابتدأت الكلام عن الإسراء.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)

صفحة رقم 349

المفردات:
سُبْحانَ أصل المادة مأخوذة من قولهم سبح في الماء أو الأرض أى: أبعد وتوغل، ومنه فرس سبوح أى تبعد بصاحبها ففي المادة معنى البعد، والتنزيه فيه بعد عن النقائص، وبعد عن صفات العجز، ولذا قالوا: إن سُبْحانَ علم على التنزيه والتقديس والتسبيح، ولا يستعمل إلا في الذات الأقدس- سبحانه وتعالى- أَسْرى وسرى لغتان في السير ليلا.
المعنى:
سبحان الله أسرى بعبده محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وما أبعد الذي له هذه القدرة القادرة. ما أبعده عن النقائص والسوء ذاتا وفعلا وحكما، واعجبوا أيها المخاطبون من قدرة الله على هذا الأمر الغريب!! وآمنوا بهذا المجد العالي وهذا الشرف السامي للحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلم.
سبحانه وتعالى، وتقديسا له وتنزيها عن كل نقص لأنه الذي أسرى بعبده في جزء من الليل بسيط من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام الذي باركنا فيه بنزول الأنبياء حوله، وباركنا فكان فيه الماء والخضرة والزرع والضرع. سرينا به لنريه بعض آياتنا، وما زاغ البصر في ذلك وما طغى، ولقد رأى من آيات ربه الكبرى ولا عجب في ذلك كله أنه- سبحانه- هو السميع لكل قول، البصير بكل نفس، الذي يضع الأمور في مواضعها حسب الحكمة، ووفقا للحق والعدل، وهو أعلم بخلقه وسيجازى من يؤمن بالإسراء ومن يكفر بها إذ هو السميع البصير.
هذا هو محمد صلّى الله عليه وسلّم من نسل إسماعيل، وهذا الشرف السامي للعرب ولأمة محمد في كل زمان ومكان، شرف الإسراء ولقيا الله، وإمامة الأنبياء جميعا، وأما ولد إسحاق أخى إسماعيل وهم بنو إسرائيل الذين يدعون أنهم شعب الله المختار، وأنهم نسل الأنبياء والمرسلين، وأنه لا يكون نبي من غيرهم فقد تكلم القرآن الكريم عليهم بعد هذا الفخار العظيم الذي كان لمحمد وأمته حتى توضع الأمور في نصابها وحتى تعرف كل أمة قدرها.
وآتينا موسى الكليم نبي بنى إسرائيل الكتاب: التوراة، وجعلناه هدى وهداية لعلهم يهتدون، ولئلا يتخذوا من دوني وكيلا يفوضون إليه أمرهم، ويعاملونه معاملة الإله.

صفحة رقم 350

يا ذرية من حملناهم مع نوح، وأنجيناهم من الغرق، وهديناهم إلى الحق والخير أنتم أولى الناس بالتوحيد الخالص والسير على سنن الأنبياء والمرسلين، وها هو ذا نوح أبوكم- عليه السلام- كان عبدا شكورا فاقتفوا أثره، واتبعوا سنته.
وفي تعبير القرآن الكريم بِعَبْدِهِ بدل حبيبه مثلا أو بدل اسمه. إشارة دقيقة:
إذ حادثة الإسراء والمعراج معجزة خارقة قد تؤثر على بعض النفوس الضعيفة فتضع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غير موضعه كما وضعت النصارى المسيح فقيل: عبده أى: الخاضع لعزه وسلطانه حتى توضع الأمور في نصابها، على أن وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعبودية منتهى الكمال والسمو له.
وفي قوله: لَيْلًا وقد تحير فيها المفسرون فإن الإسراء لا يكون إلا ليلا فما فائدة ذكرها؟! ولقد أجابوا على ذلك بأنه لفظ مفرد منكر سيق لبيان أن الإسراء كان في جزء من الليل. ولم يكن من مكة إلى المسجد الأقصى الذي يقع في أيام وليال طوال إلا في جزء من الليل بسيط.
ويقول أستاذنا مصطفى صادق الرافعي في وحى القلم ص ٣٢ في الإسراء والمعراج:
والحكمة- في ذكر ليلا في الآية- هي الإشارة إلى أن القصة قصة النجم الإنسانى العظيم الذي تحول من إنسانيته إلى نوره السماوي في المعجزة، ويتمم هذه العجيبة أن آيات المعراج لم تجيء إلا سورة «والنجم... ».
قصة الإسراء والمعراج:
وخلاصتها: كان صلّى الله عليه وسلّم مضطجعا فأتاه جبريل فأخرجه من المسجد فأركبه البراق فأتى بيت المقدس، ثم دخل المسجد هناك واجتمع بالأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم-، وصلّى بهم إماما ثم عرج به إلى السموات فاستحقها جبريل واحدة واحدة فرأى محمد صلّى الله عليه وسلّم من آيات ربه الكبرى ما رأى، وهكذا صعد في سماء بعد سماء إلى سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله ما غشيها، فرأى صلّى الله عليه وسلّم مظهر الجمال الأزلى، ثم زج به في النور فأوحى الله إليه ما أوحى، وكلفه هو وأمته بالصلاة في ذلك المكان المقدس فكانت الصلاة هي العبادة الوحيدة التي أوجبها الله بنفسه بلا واسطة.

صفحة رقم 351

تلك خلاصة خالصة أما وشيها وطرازها فباب عجيب من الرموز الفلسفية العميقة التي لا يقف عليها إلا كل من صفت نفسه وزكت روحه، ومن هذه الرموز
قوله صلّى الله عليه وسلم «فجاءني جبريل بإناء من خمر وآخر من لبن فأخذت اللّبن فقال جبريل: أخذت الفطرة»
، أوليس دين الإسلام دين الفطرة؟!! ولقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الرحلة الإلهية العلوية رموزا تشير إلى مجتمع عال نظيف خال من الربا والزنى والسرقة والقتل مع تحلى أصحابه بالجهاد والصدق وحسن الاقتصاد، وسرعة القيام إلى الصلاة.
أليس في إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم للأنبياء جميعا إشارة إلى كمال رسالته، وأنهم جميعا سبقوه مبشرين به، وأن من لم يؤمن فما آمن بنبيه فدينه جمع المحاسن كلها، وكان وسطا بين مادية اليهود وروحانية النصارى، وكانت أمته وسطا عدولا شهودا على الأمم السابقة، وقد جمع صلّى الله عليه وسلّم. قوة موسى، وزهد عيسى، وجدل إبراهيم، وصبر أيوب، وما امتاز به كل نبي.
وهي تشير إشارة صريحة إلى أن هذا النبي قد سمت روحه الكريمة سموا طغى على الناحية المادية فيه حتى صار نورا إلهيا ونجما سماويا ألم يشق جبريل صدره الكريم ويغسله من أدران المادة؟!! ألم يقل الله لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فهذه العبارة نص على ارتفاع النبي صلّى الله عليه وسلّم فوق الزمان والمكان والحجاب والحواس، ومرجع ذلك كله إلى قدرة الله لا قدرته هو بخلاف ما لو كانت العبارة ليرى من آيات ربّه فإنها تفيد أن الرؤيا في حدود القدرة البشرية، وتحويل فعل الرؤيا من صيغة إلى صيغة دليل على تحويل الرائي وهو المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من شكل إلى شكل ومن حال إلى حال فسبحان من هذا كلامه.
أيها المسلمون..
لا تألفوا العجز والكسل. وفي أول دينكم تسخير الطبيعة.
لا تركنوا إلى الجهل. وأول آية نزلت على نبيكم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ...
لا ترتموا في أحضان الراحة وفي صدر تاريخكم صنع المعجزة الكبرى.

صفحة رقم 352
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية