
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)
من أراد الآخرة، وكان التعبير بالآخرة في مقابل التعبير بالعاجلة لفرق ما بين الاثنين؛ ذلك يريد أمرا عاجلا لَا يصبر ولا يضبط نفسه، وهذا يريد الآخر، ولو كان مؤجلا، فينال فضيلة الصبر والعمل، ويترقب الآجل ترقب المدرك العامل.
ولم يكتف بالترقب والانتظار، بل سعى لها سعيِها، أي عمل لها العمل المقرب لنعيمها والمبعد عن جحيمها، وفي التعبير بـ (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا)، إشارة

إلى أنه يسير لها، ويعمل ما يطلبه من بر وصدق وأمانة، وحسن معاملة، واستقامة نفس، وسير على صراط مستقيم، وقال تعالى: (وَهُوَ مُؤْمِن) فالإيمان أصل الأعمال الصالحة ولبها وذروتها وسنام الحق، وقد بين اللِّه تعالى جزاءهم فقال: (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) الفاء في جواب الشرط، والإشارة في أولئك إلى السابقين الموصوفين بإرادة الآخرة بالسعي بالعمل الصالح، وبالإيمان الذاعن الصادق، والإشارة إلى الأوصاف بيان أنها سبب الجزاء، والجزاء هو شكر ذلك السعي الظاهر الفاضل، وشكره من اللَّه تعالى بالجزاء عنه، وهو النعيم المقيم، وبالرضا، وهو أعظم ما يثاب به العبد، وعبَّر سبحانه بِأنه شكور، أي أنه في ذاته يستحق الشكر، وهاتان الآيتان في معنى قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠).
وإن اللَّه خالق الناس ورب الناس يمدهم بما يريدون من رغبات بما يشاء، ولمن يريد، ولذا قال عز من قائل: