
(من كان يريد العاجلة) هذا تأكيد لما سلف من جملة (كل إنسان ألزمناه طائره) وجملة (من اهتدى) والمراد بالعاجلة المنفعة العاجلة أو الدار العاجلة، والمعنى من كان يريد بأعمال البر أو بأعمال الآخرة ذلك فيدخل تحته الكفرة والفسقة والمراؤون والمنافقون.
(عجلنا له) أي لذلك المريد (فيها) أي في تلك العاجلة قيد المعجل والمعجل له بقيدين؛ الأول قوله (ما نشاء) تعجيله له منها لا ما يشاؤه ذلك المريد، ولهذا ترى كثيراً من هؤلاء المريدين للعاجلة يريدون من الدنيا ما لا ينالون ويتمنون ما لا يصلون إليه، والقيد الثاني قوله (لمن نريد) التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا. وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها.
وهذه الآية تقيد الآيات المطلقة كقوله سبحانه (من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) وقوله (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون).
وقيل قرئ ما يشاء بالتحتية والضمير على هذا لله سبحانه، وفيه بعد لمخالفته لما قبله وهو عجلنا وما بعده وهو لمن نريد.
وقيل الضمير راجع إلى (من) في قوله (من كان يريد) فيكون ذلك مقيداً بقوله لمن نريد، أي عجلنا له ما يشاؤه لكن بحسب إرادتنا، فلا

يحصل لمن أراد العاجلة ما يشاؤه إلا إذا أراد الله له ذلك، ثم بعد هذا كله فمن وراء هذه الطلبة الفارغة التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم ولهذا قال (ثم جعلنا له جهنم) أي بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة وإخلاصه عن الشوائب جعلنا له عذاب جهنم على اختلاف أنواعه.
(يصلاها) أي يدخل جهنم (مذموماً) ملوماً من الخلق (مدحوراً) أي مطروداً من رحمة الله مبعداً عنها، وفي المختارة دحره يدحره من باب خضع طرده، فهذه عقوبته في الآخرة أنه لا ينال من الدنيا إلا ما قدره الله سبحانه فأين حال هذا الشقي من حال المؤمن النقي، فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه ولا جزع مع سكون نفسه واطمئنان قلبه وثقته بربه، وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه وهو الجنة ولهذا قال.