آيات من القرآن الكريم

مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

والشر وأبطل ذلك قول النبي ﷺ «لا عدوى ولا طيرة»، وقوله فِي عُنُقِهِ جرى أيضا على مقطع العرب في أن تنسب ما كان إلزاما وقلادة وأمانة ونحو هذا إلى العنق كقولهم: دمي في عنق فلان وكقول الأعشى:

والشعر قلدته سلامة ذا فائش والشيء حيثما جعلا
وهذا كثير، ونحوه جعلهم ما كان تكسبا وجناية وإثما منسوبا إلى اليد إذ هي الأصل في التكسب، وقرأ أبو جعفر ونافع والناس «ونخرج» بنون العظمة «كتابا» بالنصب، وقرأ الحسن ومجاهد وابن محيصن:
و «يخرج» بفتح الياء وضم الراء على الفعل المستقبل «كتابا» أي طائره الذي كني به عن عمله يخرج له ذا كتاب، وقرأ الحسن من هؤلاء «كتاب» بالرفع، وقرأ أبو جعفر أيضا «ويخرج» بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله، «كتابا» أي طائره، وقرأ أيضا «كتابا»، وقرأت فرقة «ويخرج» بضم الياء وكسر الراء أي يخرج الله، وفي مصحف أبي بن كعب «في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا»، وهذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته، وقرأ الجمهور «يلقاه» بفتح الياء وسكون اللام وخفة القاف، وقرأ ابن عامر وحده، «يلقّاه» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف وهي قراءة الحسن بخلاف، وأبي جعفر والجحدري، وقوله اقْرَأْ كِتابَكَ حذف من الكلام يقال له اختصار الدلالة الظاهرة عليه، و «الحسيب» الحاسب ونصبه على التمييز، وأسند الطبري عن الحسن أنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك والآخر عن شمالك يحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت أو قلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً قد عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصل مع آدم من عمله في قبره فتأمل لفظه، وهذا هو قول ابن عباس وقال قتادة في قوله: اقْرَأْ كِتابَكَ إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ.
قوله عز وجل:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٥ الى ١٧]
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)
معنى هذه الآية أن كل أحد إنما يحاسب عن نفسه لا عن غيره، وروي أن سببها أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لأهل مكة: اكفروا بمحمد وإثمكم علي، فنزلت هذه الآية: أي إن الوليد لا يحمل إثمكم وإنما إثم كل واحد عليه، وقالت فرقة نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسد، والإشارة بالضلال إلى الوليد بن المغيرة، ووِزْرَ معناه حمل، والوزر الثقل، ومنه وزير السلطان أي يحمل ثقل دولته، وبهذه الآية نزعت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الرد على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي

صفحة رقم 443

عليه، ونكتة ذلك المعنى إنما هي أن التعذيب إنما يعنّ إذا كان البكاء من سنة الميت، وسببه كما كانت العرب تفعل وقوله وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قالت فرقة هي الجمهور: هذا في حكم الدنيا، أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار، وقالت فرقة: هذا عام في الدنيا والآخرة.
قال القاضي أبو محمد: وتلخيص هذا المعنى: أن مقصد الآية في هذا الموضع الإعلام بعادة الله مع الأمم في الدنيا، وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة، ويؤيد هذا ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند إرادته إهلاك قرية، ومن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون ومع هذا فالظاهر من كتاب الله في غير هذا الموضع ومن النظر أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل، كقوله تعالى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى [الملك: ٨- ٩]، وظاهر كُلَّما [الملك: ٨] الحصر، وكقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤]، وأما من جهة النظر فإن بعثة آدم عليه السلام بالتوحيد وبث المعتقدات في نبيه مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر يوجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله، ثم تجدد ذلك في مدة نوح عليه السلام بعد غرق الكفار، وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا، ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم، وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضيه ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف، وقوله وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
الآية، في مصحف أبي «بعثنا أكابر مجرميها»، و «القرية»، المدينة المجتمعة مأخوذ من قريت الماء في الحوض إذا جمعته، وليست من قرأ الذي هو مهموز، وإن كان فيها جمعا معنى الجمع، وقرأ الجمهور «أمرنا» على صيغة الماضي من أمر ضد نهى، وقرأ نافع، وابن كثير في بعض ما روي عنهما، «آمرنا» بمد الهمزة بمعنى كثرنا، ورويت عن الحسن، وهي قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس بخلاف عنه وعن الأعرج، وقرأ بها ابن إسحاق، تقول العرب: أمر القوم إذا كثروا، وآمرهم الله بتعدي الهمزة وقرأ أبو عمرو بخلاف: «أمّرنا» بتشديد الميم، وهي قراءة أبي عثمان النهدي وأبي العالية وابن عباس، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الطبري: القراءة الأولى معناها أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وهو قول ابن عباس وابن جبير، والثانية معناها كثرناهم، والثالثة هي من الإمارة أي ملكناهم على الناس، قال القاضي أبو محمد: قال أبو علي الفارسي: الجيد في «آمرنا» أن تكون بمعنى كثرنا فتعدي الفعل بلفظه غير متعد كما تقول رجع ورجعته وشتر عينه وشترتها فتقول آمر القوم وآمرهم الله أي كثرهم، قال «وآمرنا» مبالغة في «أمرنا» بالهمزة، و «أمّرنا» مبالغة فيه بالتضعيف، ولا وجه لكون «أمّرنا» من الإمارة لأن رياستهم لا تكون إلا واحدا بعد واحد والإهلاك إنما يكون في مدة واحد منهم.
قال القاضي أبو محمد: وينفصل عن هذا الذي قاله أبو علي بأن الأمر وإن كان يعم المترف وغيره فخص المترف بالذكر إذ فسقه هو المؤثر في فساد القرية وهم عظم الضلالة، وسواهم تبع لهم وأما «أمّرنا» من الإمارة فمتوجه على وجهين، أحدهما أن لا يريد إمارة الملك بل كونهم يأمرون ويؤتمر لهم، فإن العرب تقول لمن يأمر الإنسان وإن لم يكن ملكا هو أميره، ومنه قول الأعشى: [المتقارب]

صفحة رقم 444

ومنه قول معاوية لعمر رضي الله عنه حين أمره بالاستقادة من لطمة عمرو بن العاص، إن علي أميرا لا أقطع أمرا دونه، أراد معاوية رضي الله عنه أباه وأراد الأعشى أنه إذا شاخ الإنسان وعمي واهتدى بالعصا أطاع كل من يأمره، ومنه قول الآخر: [الكامل]

إذا كان هادي الفتى في البلاد صدر القناة أطاع الأميرا
والناس يلحون الأمير إذ هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
وأيضا فلو أراد إمارة الملك في الآية لحسن المعنى، لأن الأمة إذا ملك الله عليها مترفا ففسق ثم ولي مثله بعده، ثم كذلك عظم الفساد وتوالى الكفر واستحقوا العذاب فنزل بهم على الرجل الأخير من ملوكهم، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر «أمرنا» بكسر الميم وحكاها النحاس عن ابن عباس، ولا أتحقق وجها لهذه القراءة إلا إن كان أمر القوم يتعدى بلفظه، فإن العرب تقول آمر بنو فلان إذا كثروا، ومنه قول لبيد:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للقل والنفد
ومنه: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، ورد القراء هذه القراءة، وقد حكي أمر متعديا عن أبي زيد الأنصاري، و «المترف» الغني من المال المتنعم، والترفه النعمة، وفي مصحف أبي بن كعب: «قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها»، وقوله فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أي وعيد الله لها الذي قاله رسولهم، والتدمير الإهلاك، مع طمس الآثار وهدم البناء، ومنه قول الفرزدق: [المتقارب]
وكان لهم كبكر ثمود لمّا رغا دهرا فدمرهم دمارا
وقوله وَكَمْ أَهْلَكْنا الآية كَمْ في موضع نصب ب أَهْلَكْنا وهذا الذكر لكثرة من أهلك الله مِنَ الْقُرُونِ مثال لقريش ووعيد، أي لستم ببعيد مما حصلوا فيه من العذاب إذا أنتم كذبتم نبيكم، واختلف الناس في القرن، فقال ابن سيرين: عن النبي عليه السلام أربعون، وقيل غير هذا مما هو قريب منه، وقال عبد الله بن أبي أوفى القرن مائة وعشرون سنة، وقالت طائفة القرن مائة سنة، وهذا هو الأصح الذي يعضده الحديث في قوله عليه السلام «خير الناس قرني»، وروى محمد بن القاسم في ختنه عبد الله بن بسر، قال وضع رسول الله ﷺ يده على رأسي، وقال سيعيش هذا الغلام قرنا قلت: كم القرن؟ قال مائة سنة، قال محمد بن القاسم، فما زلنا نعد له حتى أكمل مائة سنة ومات رحمه الله، والباء في قوله بِرَبِّكَ زائدة التقدير وكفى بربك، وهذه الباء إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم وكأنها تعطي معنى اكتف بربك أي ما أكفاه في هذا، وقد تجيء كَفى دون باء كقول الشاعر: [الطويل] كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا وكقول الآخر: [الطويل]
ويخبرني عن غائب الأمر هديه كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا
قوله عز وجل:

صفحة رقم 445
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية