آيات من القرآن الكريم

اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

عرشه فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً فإنه جعلها مثل الدنيا على قدر ما بين مشارقها إلى مغاربها. وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمراً فإنه جعلها دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض. ولو ترك الله القمر كما خلقه أول مرة لم يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، ولا عدد الأيام ولا الشهور، فأرسل جبريل [عليه السلام] إلى القمر فأمرَّ جناحه على وجه القمر وهو يؤمئذ شمس، ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي منه النور فذلك قوله: ﴿وَجَعَلْنَا اليل والنهار آيَتَيْنِ﴾ الآية " فالسواد الذي يرون في القمر أثر المحر.
قوله: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي [عُنُقِهِ]﴾.
المعنى: وكل إنسان ألزمناه مما قضي له أنه عامله وصائر إليه من شقاء أو سعادة. فعمله في عنقه لا يفارقه.
وقوله: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي [عُنُقِهِ]﴾ إنما هو مثل: خوطبوا به على ما كانوا يستعملون في التشاؤم والتفاؤل من سوائح الطير وبوارحها، فأعلمهم الله

صفحة رقم 4157

[ تعالى] أن كل إنسان قد ألزمه الله طائره في عنقه نحساً كان أو سعداً.
قال ابن عباس: " طائره " عمله وما قدره الله [ تعالى] عليه، وكذلك قال مجاهد، [وقال]: وما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد، وقرأ: ﴿أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾ [الأعراف: ٣٧] أي: ما سبق لهم. يعني: كتاب عمله.
وإنما خص العنق بالذكر [دون] سائر الأعضاء لأنه تعالى خاطب العرب / بلسانها وبما تستعمله من لغاتها. والعنق عند العرب هو موضع السمت وموضع القلادة والأطواق وغير ذلك، فنسب إلزام الكتاب إلى العنق لكثرة استعمالهم المعاليق فيه. ألا ترى أنهم قد أضافوا الأشياء الملازمة سائر الأبدان للأعناق، كما أضافوا جنايات أعضاء البدن إلى الأيدي فقالوا: " ذلك بما كسبت يداك ". وإن

صفحة رقم 4158

كان الذي كسبه لسانه أو فرجه.
وقيل: " طائره " حظه. من قولهم: طار بينهم فلان بكذا، إذا أخرج سهمه على نصيب [من] الأنصباء.
وقوله: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً﴾.
قرأه مجاهد والحسن وابن محيص " ويخَرج " بياء مفتوحة. على معنى ويخرج له الطائر يوم القيامة كتاباً. فيكون الكتاب على هذه القراءة حالاً.
وقرأ أبو جعفر " ويُخرج " بياء مضمومة، على ما لم يسم فاعله والذي قام مقام الفاعل مضمر [في] الفعل و " كتاباً " منصوب أيضاً على الحال، و " كتاباً " على

صفحة رقم 4159

قراءة الجماعة مفعول بـ " نخرج ".
وقال قتادة: " طائره " عمله.
والمعنى: على قراءة أبي جعفر ونخرج له ذلك العمل ﴿كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ قال معمر: وتلى الحسن ﴿عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧]، فقال: يابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك ف [ي] حفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت: أقلل أو أكثر، حتى [إذا] مت طويت صحيفتك، فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتاباً تلقاه منشوراً. فيقال لك.
﴿اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ قد عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
ومعنى: ﴿اقرأ كتابك﴾.

صفحة رقم 4160
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية