آيات من القرآن الكريم

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

الآخرة على وجهه» ؟ قال قتادة: بلى وعزة ربنا، وقوله كُلَّما خَبَتْ أي كلما فرغت من إحراقهم فسكن اللهيب القائم عليهم قدر ما يعادون، ثم تثور، فتلك «زيادة السعير» قاله ابن عباس، فالزيادة في حيزهم، وأما جهنم فعلى حالها من الشدة لا يصيبها فتور، وخبت النار معناه سكن اللهيب والجمر على حاله، وخمدت معناه سكن الجمر وضعف، وهمدت معناه طفيت جملة، ومن هذه اللفظة قول الشاعر: [الهزج]

أمن زينب ذي النار قبيل الصبح ما تخبو إذا ما خبت يلقى عليها المندل الرطب
ومنه قول عدي بن زيد: [الخفيف]
وسطة كاليراع أو سرج المج دل طورا تخبو وطورا تثير
ومنه قول القطامي:
فتخبو ساعة وتهب ساعا وقوله ذلِكَ جَزاؤُهُمْ الآية، الإشارة إلى الوعيد المتقدم بجهنم، وقوله بِآياتِنا يعم الدلائل والحجج التي جاء بها محمد عليه السلام، ويعم آيات القرآن وما تضمن من خبر وأمر ونهي، ثم عظم عليهم أمر إنكار البعث، وخصه بالذكر مع كونه في عموم الكفر بآيات القرآن، ووجه تخصيصه التعظيم له والتنبيه على خطارة الكفر في إنكاره، وقد تقدم اختلاف القراء في الاستفهامين في غير هذا الموضع، و «الرفات» بقية الشيء التي قد أصارها البلى إلى حال التراب، و «البعث» تحريك الشيء الساكن، وهذا الاستفهام منهم هو على جهة الإنكار والاستبعاد للحال بزعمهم.
قوله عز وجل:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١)
هذه الآية احتجاج عليهم فيما استبعدوه من البعث، وذلك أنهم قرروا على خلق الله تعالى واختراعه لهذه الجملة التي البشر جزء منها، فهم لا ينكرون ذلك، فكيف يصح لهم أن يقروا بخلقه للكل وإخراجه من خمول العدم وينكرون إعادته للبعض؟ فحصل الأمر في حيز الجواز، وأخبر الصادق الذي قامت دلائل معجزاته بوقوع ذلك الجائز، و «الرؤية» في هذه الآية رؤية القلب، و «الأجل» هنا يحتمل أن يريد به القيامة ويحتمل أن يريد أجل الموت، و «الأجل» على هذا التأويل اسم جنس لأنه وضعه موضع الآجال، ومقصد هذا الكلام بيان قدرة الله عز وجل وملكه لخلقه، وبتقرير ذلك يقوى جواز بعثه لهم حين يشاء لا إله إلا هو، وقوله فَأَبَى عبارة عن تكسبهم وجنوحهم، وقد مضى تفسير هذه الآيات آنفا، وقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ

صفحة رقم 487

تَمْلِكُونَ
الآية حكم لو أن يليها الفعل إما مظهرا وإما مضمرا يفسره الظاهر بعد ذلك، فالتقدير هنا، قل لو تملكون خزائن، ف أَنْتُمْ رفع على تبع الضمير، و «الرحمة» في هذه الآية المال والنعم التي تصرف في الأرزاق، ومن هذا سميت رَحْمَةِ، والْإِنْفاقِ المعروف ذهاب المال وهو مؤد إلى الفقر، فكأن المعنى خشية عاقبة الإنفاق، وقال بعض اللغويين أنفق الرجل معناه افتقر كما تقول أترب وأقتر، وقوله «وكان الإنسان قتورا» أي ممسكا، يريد أن في طبعه ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى، فهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر، وكذلك يظن أن قدرة الله تعالى تقف دون البعث، والأمر ليس كذلك، بل قدرته لا تتناهى، فهو مخترع من الخلق ما يشاء، ويخترع من الرحمة الأرزاق، فلا يخاف نفاد خزائن رحمته، وبهذا النظر تتلبس هذه الآية بما قبلها، والله ولي التوفيق برحمته، ومن الإقتار قول أبي داود: [الخفيف]

لا أعد الإقتار عدما ولكن فقد من قد رزئته الإعدام
وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ اتفق المتأولون والرواة أن الآيات الخمس التي في سورة الأعراف هي من هذه التسع، وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، واختلفوا في الأربع، فقال ابن عباس: هي يده ولسانه حين انحلت عقدته، وعصاه والبحر، وقال محمد بن كعب القرطبي: هي البحر والعصا والطمسة والحجر، وقال سألني عن ذلك عمر بن عبد العزيز فأخبرته، فقال لي: وما الطمسة؟ فقلت دعا موسى وآمن هارون فطمس الله أموالهم وردها حجارة، فقال عمر: وهل يكون الفقه إلا هكذا؟ ثم دعا بخريطة فيها غرائب كانت لعبد العزيز بن مروان، جمعها بمصر، فاستخرج منها الحوزة والبيضة والعدسة وهي كلها حجر كانت من بقايا أموال آل فرعون، وقال الضحاك: هي إلقاء العصا مرتين، واليد، وعقدة لسانه، وقال عكرمة ومطر الوراق، والشعبي: هي العصا واليد والسنون ونقص الثمرات، وقال الحسن: هي العصا في كونها ثعبانا وتلقف العصا ما يأفكون، وقال ابن عباس: هي السنون في بواديهم، ونقص الثمرات في قراهم، واليد، والعصا، وروى مطرف عن مالك أنها العصا، واليد، والجبل إذ نتق، والبحر، وروى ابن وهب عنه مكان البحر الحجر، والذي يلزم من الآية أن الله تعالى خص من آيات موسى إذ هي كثيرة جدا تنيف على أربع وعشرين، تسعا بالذكر ووصفها بالبيان ولم يعينها، واختلف العلماء في تعيينها بحسب اجتهادهم في بيانها أو روايتهم التوقيف في ذلك، وقالت فرقة آيات موسى إنما أريد بها آيات التوراة التي هي أوامر ونواه، روى في هذا صفوان بن عسال، أن يهود المدينة قال لآخر: سر بنا إلى هذا النبي نسأله عن آيات موسى، فقال له الآخر: لا تقل إنه نبي، فإنه لو سمعك صار له أربع أعين، قال: فسارا إلى رسول الله ﷺ فسألاه، فقال «هن أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفروا يوم الزحف، وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت»، وقرأ الجمهور «فاسأل بني إسرائيل» وروي عن الكسائي «فسل» على لغة من قال سأل يسأل، وهذا كله على معنى الأمر لمحمد صلى
الله عليه وسلم، أي اسأل معاصريك عما أعلمناك به من غيب القصة، ثم قال إِذْ جاءَهُمْ يريد آباءهم، وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم، ويحتمل أن يريد فَسْئَلْ

صفحة رقم 488
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية