آيات من القرآن الكريم

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ، فَهَذَا هُوَ الْفَائِدَةُ فِي اخْتِيَارِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.
أَوِ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَوَّلًا: أَحْوَالَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ بِهَا انْتِفَاعًا ضَرُورِيًّا/ وَثَانِيًا: أَحْوَالَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ بِهَا انْتِفَاعًا غَيْرَ ضَرُورِيٍّ بَقِيَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ بِهَا فِي الْغَالِبِ فَذَكَرَهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَقَالَ: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَنْوَاعَهَا وَأَصْنَافَهَا وَأَقْسَامَهَا كَثِيرَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْحَدِّ وَالْإِحْصَاءِ وَلَوْ خَاضَ الْإِنْسَانُ فِي شَرْحِ عَجَائِبِ أَحْوَالِهَا لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ كَتْبَةِ الْمُجَلَّدَاتِ الْكَثِيرَةِ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ فَكَانَ أَحْسَنُ الْأَحْوَالِ ذِكْرَهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ،
وَرَوَى عَطَاءٌ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَلَى يَمِينِ الْعَرْشِ نَهْرًا مِنْ نور مثل السموات السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَالْبِحَارِ السَّبْعَةِ يَدْخُلُ فِيهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ سَحَرٍ وَيَغْتَسِلُ فَيَزْدَادُ نُورًا إِلَى نُورِهِ وَجَمَالًا إِلَى جَمَالِهِ، ثُمَّ يَنْتَفِضُ فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ نُقْطَةٍ تَقَعُ مِنْ رِيشِهِ كَذَا وَكَذَا أَلْفَ مَلَكٍ يَدْخُلُ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَفِي الْكَعْبَةِ أَيْضًا سَبْعُونَ أَلْفًا، ثُمَّ لَا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة.
[سورة النحل (١٦) : آية ٩]
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ قَالَ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أَيْ إِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذِهِ الدَّلَائِلَ وَشَرَحْتُهَا إِزَاحَةً لِلْعُذْرِ وَإِزَالَةً لِلْعِلَّةِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةِ. وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقَصْدُ اسْتِقَامَةُ الطَّرِيقِ يُقَالُ: طَرِيقٌ قَصْدٌ وَقَاصِدٌ إِذَا أَدَّاكَ إِلَى مَطْلُوبِكَ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَعَلَى اللَّهِ بَيَانُ قَصْدِ السَّبِيلِ، ثم قال: وَمِنْها جائِرٌ أَيْ عَادِلٌ مَائِلٌ وَمَعْنَى الْجَوْرِ فِي اللُّغَةِ الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ وَالْكِنَايَةُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْها جائِرٌ تَعُودُ عَلَى السَّبِيلِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ يَعْنِي وَمِنَ السَّبِيلِ مَا هُوَ جَائِرٌ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْحَقِّ وَهُوَ أَنْوَاعُ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْإِرْشَادُ وَالْهِدَايَةُ إِلَى الدِّينِ وَإِزَاحَةُ الْعِلَلِ وَالْأَعْذَارِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَكَلِمَةُ «عَلَى» لِلْوُجُوبِ قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آلِ عِمْرَانَ: ٩٧] وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُضِلُّ أَحَدًا وَلَا يُغْوِيهِ وَلَا يَصُدُّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ كَانَ فَاعِلًا لِلضَّلَالِ لَقَالَ: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَعَلَيْهِ جَائِرُهَا أَوْ قَالَ: وَعَلَيْهِ الْجَائِرُ فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ فِي قَصْدِ السَّبِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي جَوْرِ السَّبِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ/ وَمِنْها جائِرٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُضِلُّ عَنِ الدِّينِ أَحَدًا.
أَجَابَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى اللَّهِ بِحَسَبِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ أَنْ يُبَيِّنَ الدِّينَ الْحَقَّ وَالْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فَأَمَّا أَنْ يُبَيِّنَ كَيْفِيَّةَ الْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ فَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ هِدَايَةَ الْكُفَّارِ، وَمَا أَرَادَ مِنْهُمُ الْإِيمَانَ، لِأَنَّ كَلِمَةَ (لَوْ) تُفِيدُ انْتِفَاءَ شَيْءٍ لِانْتِفَاءِ شَيْءٍ غَيْرِهِ قَوْلُهُ، وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ مَعْنَاهُ: لَوْ شَاءَ هِدَايَتَكُمْ لَهَدَاكُمْ، وَذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ هِدَايَتَهُمْ فَلَا جَرَمَ مَا هَدَاهُمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ.
وَأَجَابَ الْأَصَمُّ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَوْ شَاءَ أَنْ يُلْجِئَكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ لَهَدَاكُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَشِيئَةَ الْإِلْجَاءِ لَمْ تحصل.

صفحة رقم 178
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية