آيات من القرآن الكريم

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

الجزء السادس
سورة النحل
مكية، إلى قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ إلى آخره وهي سبعة ألف وسبعمائة وسبعة أحرف، والفان وثمانمائة وأربعون كلمة، ومائة وثمان وعشرون آية
أبو أمامة الباهلي عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ومن قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله بالنعم التي أنعمها عليه في دار الدنيا، وأعطي من الأجر كالذي مات فأحسن الوصية» [١] «١».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)
وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)
أَتى أَمْرُ اللَّهِ أي جاء فدنا، واختلفوا في هذا الأمر ما هو.
فقال قوم: هو الساعة.
قال ابن عبّاس: لما أنزل الله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم [أن] يوم القيامة قد قرب فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء، قالوا: ما نرى شيئا، فأنزل الله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ «٢» الآية.
(١) تفسير مجمع البيان: ٦/ ١٣٥.
(٢) سورة الأنبياء: ١.

صفحة رقم 5

فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمّد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فأنزل الله أَتى أَمْرُ اللَّهِ «١» فوثب النبي صلّى الله عليه وسلّم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمأنوا فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت أنا والساعة كهاتين- وأشار بإصبعيه- إن كادت لتسبقني» [٢] «٢».
وقال ابن عبّاس: كان بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم من أشراط الساعة. وأن جبرئيل لما مرّ بأهل السماوات مبعوثا إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم قالوا: الله أكبر قد قامت الساعة.
قال الآخرون: الأمر هاهنا العذاب بالسيف، وهو جواب للنضر بن الحرث حين قال:
اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «٣» - الآية- يستعجل العذاب، فأنزل الله هذه الآية، وهذا من الجواب المقصور فقتل النضر يوم بدر صبرا.
وقال الضحاك: أَمْرُ اللَّهِ: الأحكام والحدود والفرائض.
والقول الأوّل أولى بالصواب لأنه لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة مستعجل بفريضة الله قبل أن تفرض عليهم، وأمّا مستعجل العذاب من المشركين فقد كانوا كثيرا.
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ.
قرأه العامّة: بضم الياء وكسر الزاي المشدد، الملائكة نصب. وخففه معظم أهل مكة والبصرة بمعنى ينزل الله.
وقرأ المفضل وروح وسهيل وزيد: يَنْزَلُ بفتح الياء والزاي، الْمَلائِكَةُ رفع.
وقرأ الأعمش: يَنْزِلُ بفتح الياء وجزم النون وكسر الزاي من النزول، والْمَلائِكَةُ رفع على هاتين القرائتين والفعل للملائكة.
بِالرُّوحِ بالوحي سمّاه روحا، لأنه تحيا به القلوب والحق، ويموت به الكفر والباطل.
وقال عطاء: بالنبوة فطرة يلقى الروح من أمره.
قتادة: بالرحمة.
أبو عبيدة: بِالرُّوحِ، يعني: مع الروح وهو جبرئيل.
مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ محله نصب بنزع الخافض، ومجازه بأن أَنْذِرُوا أعلموا، من قولهم: أَنْذِرْ بِهِ أي أعلم أَنَّهُ في محل النصب بوقوع الإنذار عليه.

(١) سورة النحل: ١.
(٢) أسباب النزول: ١٨٧.
(٣) سورة الأنفال: ٣٢.

صفحة رقم 6

لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ. خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ يجادل بالباطل مُبِينٌ نظيره قوله: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً «١» نزلت هذه الآية في أبي بن خلف الجمحي حين جاء بالعظم الرميم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟ نظيرها قوله: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ «٢» إلى آخر السورة نزلت في هذه القصة أيضا.
وَالْأَنْعامَ خَلَقَها يعني الإبل والبقر والغنم لَكُمْ فِيها دِفْءٌ يعني من أوبارها وأصوافها وأشعارها ملابس و [لحفا] وقطن يستدفئون وَمَنافِعُ بالنسل والدرّ والركوب والحمل وغيرها وَمِنْها تَأْكُلُونَ يعني لحومها وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ أي حين يردّونها بالعشي من مراعيها إلى مباركها التي تأوى إليها. يقال: أراح فلان ماشيته يريحها إراحة، والمكان الذي يراح إليه: مراح.
وَحِينَ تَسْرَحُونَ اي يخرجونها بالغداة من مراعيها إلى مسارحها. يقال: سرّح ماشيته يسرّحها سرحا وسروحا إذا أخرجها للرعي، وسرحت الماشية سروحا إذا رعت.
قال قتادة: وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها طوالا أسنمتها.
وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ آخر غير بلدكم.
عكرمة: البلد مكة.
لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ أي تكلفتموه إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ.
قرأه العامّة: بكسر الشين، ولها معنيان: أحدهما: الجهد والمشقة.
والثاني: النصف، يعني لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ من القوة وذهاب شق منها حتّى لم تبلغوه إلّا بنصف قوى أنفسكم وذهاب نصفها الآخر.
وقرأ أبو جعفر: بِشَقِّ بفتح الشين. وهما لغتان مثل برَق وبرِق، وحَصن وحصِن، ورطل ورطل.
وينشد قول النمر بن تولب: بكسر الشين.

وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودؤوب «٣»
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر من شققت عليه يشق شقا.
(١) سورة النساء: ١٠٥.
(٢) سورة يس: ٧٧.
(٣) لسان العرب: ١٠/ ١٨٤. [.....]

صفحة رقم 7

إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ بخلقه حيث خلق لهم هذه الأشياء وهيّأ لهم هذه المنافع والمرافق.
وَالْخَيْلَ يعني وخلق الخيل وهو اسم جنس لا واحد له من لفظه كالإبل والنساء وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً يعني وجعلها زينة مع المنافع التي فيها.
واستدل بعض الفقهاء بهذه الآية على تحريم لحوم الخيل، روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أنه سئل عن أكل لحوم الخيل فكرهها وتلا هذه الآية: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً.
قال: هو المركوب، وقرأ التي قبلها: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها الآية، وقال: هذه للأكل.
وقال: الحكم بلحوم الخيل حرام في كتاب الله، ثمّ قرأ هذه الآيات، وقال: جعل هذه للأكل وهذا للركوب.
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك وغيرهما من العلماء، واحتجوا أيضا في ذلك بما
روى صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جدّه عن خالد بن الوليد أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير» [٣] «١».
وقال الآخرون: لا بأس بأكل لحوم الخيل، وليس في هذه الآية دليل على تحريم شيء، وإنما عرّف الله عباده بهذه الآية نعمه عليهم ونبههم على حجج وحدانيته وربوبيته وكمال قدرته، وإليه ذهب الشافعي واحتج بما
روى محمّد بن علي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمير الأهلية وأذن في لحوم الخيل.
وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر قال: أطعمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني يوم خيبر- لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر.
وروى سفيان عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر قال: كنا نأكل لحوم الخيل، قلت:
والبغال؟ قال: لا.
هشام عن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنه) قالت: أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: نحر أصحابنا فرسا في النخع فأكلوا منه ولم يروا به بأسا.
وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.

(١) سنن النسائي: ٧/ ٢٠٢.

صفحة رقم 8
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية