آيات من القرآن الكريم

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ

يصير كالصبي الذي لا عقل له بسبب نسيانه ما علمه قبلا فيصير بعد العلم جاهلا والقوة ضعيفا والسمن نحيفا ليربكم الله قدرته في أنفسكم، فلا مجال لتأويل آخر لمعنى الأرذل، ولا تتقيد هذه الآية والحالة التي يصير إليها الإنسان بسن أو شخص. ونظير هذه الآية الآية ٦٨ من سورة يس في ج ١ وهي (ومن نعمره ننكه في الخلق) أخرج بن مردويه عن علي كرم الله وجهه أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة، وهو يختلف باختلاف الأمزجة والأمكنة، فربّ معمر لم تنقص قواه وغير معمر فسدت جوارحه، والتقيد بالسن مبني على الغالب. روى البخاري ومسلم عن أنس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات. قال:

لا طيب للنفس ما دامت منغّصة لذاته بادكار الشيب والهرم
وهذا يعم المؤمن والكافر ولا وجه لتخصيصه بالكافر، لأن ظاهر الآية أو الحديث ينافي ذلك التخصيص لمجيئها على الإطلاق، وقد أوردنا في قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) الآية من سورة والتين المارة في ج ١ أن الصالح قد لا يخرف، وليس كل صالح نراه هو صالح في الحقيقة، فكم صالح قد يبتليه الله تعالى بأمراض مزمنة لزيادة درجاته في الجنة، وما جاء عن عكرمة أن من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر ليس على إطلاقه لأنا شاهدنا علماء وقراء فلجوا وخرفوا، ورأينا على العكس من يعمر ويموت بكمال عقله بل وقواه وجوارحه، وإن شيخنا الشيخ حسين الأزهري مفتي الفرات ومدرسها عاش ١٢٧ سنة ولم يفقد من قواه شيئا وخاصة ذاكرته، تغمده الله برحمته التي يختص بها من يشاء ولم نر أورع منه «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ» بكل شيء قبل خلقه وما يؤول إليه بعد خلقه وبعد موته «قَدِيرٌ» ٧٠ على تبديل الخلق من حال إلى حال
«وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ» فوسعه علي أناس وضيقه على آخرين، وكما فضلوا بالرزق فضلوا بالخلق والخلق والعقل والصحة والحسن والعلم والصوت والمعرفة وغير ذلك فهم منقادون إلى ما قدر لهم في الأزل متفاوتون في كثير من الأشياء بمقتضى الحكمة الإلهية، ولكن «فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ» معطيه ومضيفيه «عَلى ما مَلَكَتْ

صفحة رقم 238

أَيْمانُهُمْ»
من الإماء والعبيد لأنهم لا يرضون أن يتساووا معهم فيه طلبا للتفاضل الذي هو غريزة في البشير «فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ» من حيث المعيشة لا من حيث الملكية، لأنها خاصة بالأسياد، فإذا كان البشر لا يرضي التساوي مع بعضه، فكيف أنتم يا أهل مكة تساوى أصنامكم مع الله، والملائكة معه في العبادة وهم عباده، وكيف يرضى الله أن تجعلوا عبيده وخلقه شركاء معه «أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» ٧١ أولئك الكفرة يأكلون رزقه ويعبدون غيره وينكرون نعمه «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ» أيها الناس «مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً» من جنسكم ونوعكم والخطاب يشمل آدم فمن دونه ومن خصصه بآدم نظر إلى أن الله خلق زوجته منه، إلا أن جمع الأنفس والأزواج يأباه، واستدل بعضهم في هذه الآية على عدم جواز نكاح الجن، ولفظ الآية يدل على الجنس، إذ لا يحصل الإنس بغيره، قال تعالى (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) الآية ٢١ من الروم الآتية، وقال تعالى (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) الآية ١٨٨ من البقرة في ج ٣، فيبعد أن يكون من غير جنسه لأن الإنس فيها بعد قضاء الحاجة غير متصور، «وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً» الحافد لغة المسرع في الخدمة المسارع إلى الطاعة، ومنه قول القانت (وإليك نعى ونحفد) في دعاء القنوت لدى السادة الحنفية، وشرعا على ولد الولد، وإنما خص الحفدة لأنهم قد يكونون أحب إليهم من أولادهم، قال:

ابن ابننا من ابننا نحب الابن تشر الحفيد لب
أخرج الطبراني والبيهقي في سننه والبخاري في تاريخه والحكم وصححه عن ابن مسعود أنهم الأختان وأريد بهم على ما قيل أزواج البنات، ويقال لهم أصهار، وأنشدوا لذلك:
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير
ولكنها نفس عليّ أبية عيوني لأصهار اللئام تدور
والأول أولى لأنه الذائع المشهور المتعارف، «وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» مما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات وحسن وزها من اللباس والسكن «أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ» أولئك الكفرة فيقولون إن لله شريكا وأنه لا يبعث

صفحة رقم 239

من يموت «وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ» التي من جملتها الإيمان به، لأنه من أعظم النعم، وكل نعمة دونه «هُمْ يَكْفُرُونَ» ٧٢ استفهام تعجب من حالهم القبيح «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً» أي لا يملك شيئا من الرزق البتة «وَلا يَسْتَطِيعُونَ» ٧٣ على شيء أصلا من أسباب الرزق وغيره، لأنها جماد محتاجة لمن يتعاهدها «فَلا تَضْرِبُوا» أيها الكفار «لِلَّهِ الْأَمْثالَ» بأن تجعلوا له شريكا تعبدونه على عدّه واعتباره شريكا لله مماثلا له، وهذه الآية على حد قوله تعالى (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) الآية ٣٢ من البقرة في ج ٣، «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ» بأنه لا مثيل له ولا شريك «وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ٧٤ ذلك ولا تعرفون كنه ذاته فلهذا تجاسرتم على ضرب المثل له بما لا يليق بجلاله ولا يناسب عظمة كماله «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» عاجزا عن كل شيء لا مكاتبا ولا مأذونا، وإنما خصه الله بالمملوكية لا شتراكه هو والحر بالعبودية فميز بينهما في هذا الوصف، والمراد بالشيء هنا النفقة مما رزق، وهذا من المبهم، وهو من بديع الكلام «وَمَنْ» أي رجلا سيدا «رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً» وهو حر قادر على جميع أنواع التصرف بماله وبنفسه وبواسطة غيره «فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ» أي الرزق على الغير «سِرًّا وَجَهْراً» لا يعارضه معارض «هَلْ يَسْتَوُونَ» الأحرار السادة والعبيد المملوكون؟ كلا لا يستوون، ولم يقل يستوبان لإرادة الجمع، ولما نهاهم الله عن ضرب الأمثال لقلة علمهم بها ضرب لنفسه مثلا فقال مثلكم في إشراككم الأوثان بالله الرحمن، كمثل من سوى بين العبد العاجز المملوك والحر السيد القوي الكريم، فكما لا يستويان وكذلك لا يستوي الكافر والمؤمن، مع أنهما في الصورة البشرية سواء، وإن كان لا يجوز التسوية بين هؤلاء عندكم فكيف تسوون بين الخالق الرزاق وبين الأوثان العاجزة عن كل شيء، مع أنه لا يجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال «الْحَمْدُ لِلَّهِ» المستحق الحمد وحده لا أوثانكم «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ٧٥ أن الحمد يختصّ بالله ويظنون جهلا أن منه لأوثانهم «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ» أخرس ولادة،

صفحة رقم 240

إذ ليس كل أبكم أخرس ولا كل أخرس أبكم «لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» لعجزه عن كل شيء، والمراد بالشيء هنا الأمر بالعدل والاستقامة كما يدل عليه عجز الآيات، وهذا من المبهم «وَهُوَ كَلٌّ» ثقيل «عَلى مَوْلاهُ» سيده الذي يعوله لأنه «أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ» فلا ينجح ولا يفلح، لأنه لا يفهم ولا يفهم، أخبروني أيها العقلاء «هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ» ذو الرأي والرشد يعلم مرادهم ويحثهم على سلوك الطريق السوي «وَهُوَ» في ذاته ينفع العام والخاص و «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ٧٦ في أقواله وأفعاله وأحواله لا يوجهه لأمر إلا وقد أنهاه بحنكة وحكمة دون أن تزوده بالوصية، وفي مثله يقال أرسل حكيما ولا توصه، فهل يستويان هذا وذاك؟ كلا، وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لنفسه المقدسة ولما يقيض به على عباده من النعم وللأصنام التي هي جماد لا تنطق ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع مع ثقلها على عابديها لاحتياجها للخدمة والحفظ من التعدي «وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وحده خاص به علم ما يقع ممن فيهما لا يعلمه أحد من خلقه ويعلم زمن انتهائهما، لا علم لأحد بذلك غيره، «وَما أَمْرُ السَّاعَةِ» التي يقوم بها الناس من قبورهم ويساقون فيها إلى المحشر «إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ» قدر انفتاح الجفن أو طبقه «أَوْ هُوَ أَقْرَبُ» من ذلك لأن التمثيل بلمح البصر بالنسبة للبشر إذ لا يرون أقل منه حتى يمثوا به، أما عند الله فهو أقل لأن لمح البصر يحتاج إلى حركة، والحركة لا بدّ أن تأخذ شيئا من الزمن، وأمر الله لا يحتاج لذلك، لأنه إذا قال لشيء كن كان بين الكاف والنون، تأمل كيفية إحضار عرش بلقيس في الآية ٤٠ من سورة النمل في ج ١، و (أو) هنا مثلها في قوله تعالى (أَوْ يَزِيدُونَ) في الآية ١٤٧ من الصافات المارة جريا على
عادة الناس، ولذلك قال (كلمح بالبصر) ولو كان يوجد لفظ يدل على أدنى من ذلك متعارف بينهم للسرعة لقاله، ومثل هذا مثل (أف) الواردة في الآية ٢٣ من الإسراء في ج ١، فلو كان يوجد لفظ متعارف يدل على أدنى منه في مراتب الضجر لذكره «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ٧٧ في كل ما يتصور وهو قادر على إقامة الساعة حالا، ثم صرب مثلا على قدرته فقال

صفحة رقم 241

«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً» البتة لأنكم تولدون على حالة أقل من البهائم إدراكا لا تعرفون معه الحجر من الثمر، والقرّ من الحر، والنفع من الضر «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ» لتعقلوا بها بصورة تدريجية «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ٧٨ الله الذي منحكم تلك القوى وقدركم فيها على إزالة الجهل الذي ولدتم عليه وقد ركبها فيكم لتستعملوها لما خلقت له أداء لشكرها، وتشكروا المنعم بها عليكم، لا أن تضعوها بغير موضعها وتقابلوها بالكفر، قال تعالى «أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ» الفضاء الواسع ما بينها وبين الأرض، وقد يراد به الهواء وجوف السماء، قالوا إن الطير مهما ارتفع لا يتجاوز اثني عشر ميلا، إذ ينقطع الهواء فإذا تجاوزت هذا القدر لا تستطيع العوم ولا الوقوف، وقد تموت بسبب انقطاع الهواء «ما يُمْسِكُهُنَّ» شيء عند قبض أجنحتهن من الوقوع «إِلَّا اللَّهُ» لأنه في حالة نشر أجنحتهن، يقال إن الهواء يمسكها مع أنه قد لا يوجد هواء، لان الجو كالأرض مختلف أحواله فكما يوجد في الأرض أودية يوجد في الجو خبن لا هواء فيه «إِنَّ فِي ذلِكَ» الإمساك بدون واسطة «لَآياتٍ» بالغات تدل على كمال القدرة الإلهية «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ٧٩ بها وإنما خصّ المؤمنين لأنهم أهل الاعتبار والانتفاع بآيات الله وإسنادها لذاته المقدسة «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» المبنية بالحجر والمدر والخشب وغيره «سَكَناً» تقرون فيه «وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً» ومن أشعارها وأوبارها وصوفها خيما وأقبية وأخبية عند ما تريدون التنقل من المرعى والنزهة «تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ» رحيلكم إلى البوادي لرعي أنعامكم «وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ» أيضا في منازلكم إذ لا يهمكم حملها ولا يثقل عليكم نصبها ونقصها «وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها» جعل لكم أيضا «أَثاثاً» من فرش، ولباس، وغرائز لحفظ الألبسة والحبوب، وبسط وزرابي وغيرها مما تحتاجونه لبيوتكم وأنفسكم «وَمَتاعاً» وأشياء أخرى، لأن الأثاث يطلق على جميع حوائج البيت، والمتاع يطلق على ما ينتفع به ويتمتع فيه في البيت خاصة، ومن قال إن المتاع والأثاث شيء واحد فقد جهل هذا الفرق،

صفحة رقم 242
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية