آيات من القرآن الكريم

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

الآية الدالة على أن السّكر حلال لأنه تعالى ذكره في معرض الإنعام والمنة، ولأن الحديث السابق دلّ على أن الخمر حرام:
«الخمر حرام لعينها»
وهذا يقتضي أن يكون السّكر شيئا غير الخمر، والمغايرة تقتضي أنه النبيذ المطبوخ. والحق أن الآية ليس فيها ما يدل على الحل إذ الكلام في الامتنان بخلق الأشياء لمنافع الإنسان، ولم تنحصر المنافع في حل التناول.
وختم الآية بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ دليل على قدرة الله تعالى لأن من كان عاقلا، علم بالضرورة أو البداهة أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى، مما يدل على وجود الإله القادر الحكيم.
٧- كما أن إخراج الألبان من النعم، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب دلائل قاطعة على أن لهذا العالم إلها قادرا مختارا حكيما، فكذلك إخراج العسل من النحل دليل قاطع على إثبات هذا المقصود.
وفي النحل منافع كثيرة للأشجار والنباتات نفسها، وللإنسان أيضا، وكذلك في العسل والشمع منافع للإنسان، فالعسل شفاء من كثير من الأمراض، والشمع للإضاءة وصناعات أخرى.
وذلك كله دليل على وجود الإله الصانع الملهم في اعتقاد كل من أعمل فكره، وتأمل ونظر في أعمال النحل وآثاره العجيبة.
بعض عجائب أحوال الناس الدالة على قدرة الله وتوحيده
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٧٠ الى ٧٤]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤)

صفحة رقم 176

الإعراب:
لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً شَيْئاً منصوب ب عِلْمٍ على مذهب البصريين على إعمال الثاني لأنه أقرب. وب يَعْلَمَ على مذهب الكوفيين، على إعمال الأول.
فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ جملة اسمية، في موضع نصب لأنها وقعت جوابا للنفي، وقامت هذه الجملة الاسمية مقام جملة فعلية، وتقديره: فما الذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم، فيستووا.
رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً شَيْئاً إما بدل منصوب من رِزْقاً كأنه قال: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم شيئا، وإما منصوب برزق، أي أن يرزق شيئا، والوجه الأول أوجه لأن الرزق اسم، والاسم لا يعمل إلا شاذا، ولأن البدل أبلغ في المعنى.
وَلا يَسْتَطِيعُونَ الواو عائد إلى ضمير «ما» حملا على المعنى.
البلاغة:
عَلِيمٌ قَدِيرٌ صيغة مبالغة.

صفحة رقم 177

المفردات اللغوية:
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ولم تكونوا شيئا. ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ عند انقضاء آجالكم. أَرْذَلِ الْعُمُرِ أردؤه وأخسه، بسبب الهرم والخرف، قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة. عَلِيمٌ بتدبير خلقه. قَدِيرٌ على ما يريده.
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ أي فاوت بين أرزاقكم، فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك. فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا الأغنياء والأسياد بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي بمعطي رزقهم من الأموال وغيرها لمماليكهم، وجاعليها شركة بينهم وبين مماليكهم. فَهُمْ أي المماليك والأسياد (الموالي) فِيهِ سَواءٌ شركاء. والمعنى: ليس لهم شركاء من مماليكهم في أموالهم، فكيف يجعلون بعض مماليك الله شركاء له. يَجْحَدُونَ يكفرون حيث يجعلون له شركاء. وقرئ تجحدون.
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً أي جعلها لكم من جنسكم لتأنسوا بها، ولتكون أولادكم مثلكم. وَحَفَدَةً أي أولاد الأولاد جمع حفيد. مِنَ الطَّيِّباتِ من أنواع الثمار والحبوب والحيوان ونحوها من اللذائذ أو من الحلالات. ومن للتبعيض، فإن المرزوق في الدنيا أنموذج من الطيبات. أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ أي بالأصنام. وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام، بإشراكهم، أو حرموا ما أحلّ الله لهم. وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام بها، أو للتخصيص مبالغة، أو للمحافظة على فواصل الآيات بالسجع.
مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره. رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ بالمطر. وَالْأَرْضِ بالنبات.
وَلا يَسْتَطِيعُونَ ولا يقدرون على شيء، وهم الأصنام. فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ لا تجعلوا لله أشباها أو أمثالا تشركونهم به، أو تقيسونهم عليه، فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ألا مثل له، وفساد القياس الذي تقيسونه. وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك، ولو علمتم لما جرأتم عليه. وهو تعليل للنهي. أو أنه يعلم كنه الأشياء، وأنتم لا تعلمونه، فدعوا رأيكم دون نصه.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى عجائب أحوال الحيوانات، ذكر بعده بعض عجائب أحوال الناس، فذكر مراتب عمر الإنسان وهي أربعة: سن النشوء والنماء (الطفولة) وسن الشباب، وسن الكهولة، وسن الشيخوخة، وذلك دليل على كمال قدرة الله ووحدانيته.

صفحة رقم 178

ثم ذكر تفاوت الناس في أرزاقهم، كما قال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف ٤٣/ ٣٢] وهي من قسمة الخلاق. ثم ذكر نعمة ثالثة ورابعة وهي جعل الأزواج من جنس الذكور، والرزق من الطيبات من نبات كالثمار والحبوب والأشربة، ومن حيوان مختلف الأنواع.
التفسير والبيان:
تستمر الآيات في تعداد مظاهر قدرة الله وعظمته وألوهيته ونعمه، وهي متعلقة هنا بالإنسان، فيذكر تعالى مراحل نشوء الإنسان، وأنه هو سبحانه الذي أنشأ الناس من العدم، ثم بعد ذلك يتوفاهم، ومنهم من يتركه حتى يدركه الهرم، وهو الضعف في الخلقة، فقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ...
أي والله أوجدكم يا بني آدم، ولم تكونوا شيئا، ثم حدد لأعماركم آجالا معينة، فمنكم من يتوفاه عند انقضاء آجالكم، ومنكم من يهرم ويصير في أرذل العمر وأسوئه وهو حال ضعف القوى والحواس والخرف، أو فقدها، وقلة الحفظ والعلم، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً [الروم ٣٠/ ٥٤] وقال سبحانه: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس ٣٦/ ٦٨] وقال عز وجل: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التين ٩٥/ ٤- ٥].
وروى البخاري وابن مردويه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو: «أعوذ بك من البخل والكسل والهرم وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات»
وفي حديث سعد بن أبي وقاص: «وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر».
وروي عن علي رضي الله عنه: أرذل العمر: خمس وسبعون سنة.
وهذا أمر غير مطرد، وربما كان هذا هو الغالب في الماضي.

صفحة رقم 179

لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً.. أي نرده إلى أرذل العمر، ليصبح غير عالم بشيء، وجاهلا كما كان وقت الطفولة، ونسّاء لضعف ذاكرته.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ أي إن الله عليم بكل شيء، فيجعل الإنسان في حال من القوة والضعف على وفق الحكمة، وقادر على كل شيء، فلا يعجزه شيء أبدا.
هذا شأن تفاوت الناس في الأعمار، أردفه ببيان تفاوتهم في الأرزاق فقال:
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ.. أي أن الله تعالى جعلكم متفاوتين في الأرزاق، فهناك الغني والفقير والمتوسط لحكمة اقتضتها ظروف المعيشة، والمصلحة للإنسان نفسه، وليتخذ بعضكم بعضا سخريا.
فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا.. أي فما الذين فضّلوا بالرزق وهم السادة الملاك أو الموالي بجاعلي أرزاقهم شركة على قدم المساواة بينهم وبين مماليكهم.
وهذا مثل ضربه الله للعبرة، مفاده أنه إذا كنتم لم ترضوا بهذه المساواة بينكم وبين خدمكم، وهم أمثالكم في الإنسانية، فكيف تسوون بين الخالق والمخلوق، وبينه وبين هذه الأصنام، وتشركون به ما لا يليق به من عبيدي ومخلوقاتي؟
ويوضح المثل آية أخرى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ، فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ، تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [الروم ٣٠/ ٢٨].
أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ؟ أي أتشركون بالله بعبادتكم الأصنام، فتجحدون بنعمة الله عليكم؟ لأن من أثبت شريكا لله، فقد نسب إليه بعض النعم والخيرات، فكان جاحدا لكونها من عند الله تعالى. أو أتجحدون بنعمة الله عليكم بعد تقرير هذه البيانات وإيضاح هذه الدلالات على وحدانية الله، والتي يفهمها كل عاقل؟! فهذا إنكار على المشركين جحودهم نعم الله عليهم.

صفحة رقم 180

ومن جليل نعمه تعالى على عباده أمور أخرى منها: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي والله جعل لكم أيها العبيد المخلوقون لله أزواجا من جنسكم وشكلكم لتحقيق الأنس والانسجام والائتلاف وقضاء المصالح، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، فمن رحمته جعل الذكور والإناث من جنس واحد.
ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة، أي أولاد البنين.
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي ورزقكم من طيبات الرزق التي تستطيبونها في الدنيا، من مطعم ومشرب وملبس ومسكن ومركب.
أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ؟ أي أيصدقون بالباطل وهو أن الأصنام شركاء لله في النفع والضرر، وأنها تشفع عنده، وأن الطيبات التي أحلها الله لهم كالبحيرة والسائبة والوصيلة هي حرام عليهم، وأن المحرمات التي حرمها الله عليهم كالميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح على النّصب هي حلال لهم؟
وهذا توبيخ وتأنيب لهم على تلك الأحكام الباطلة، وعلى إنعام الله في تحليل الطيبات، وتحريم الخبيثات.
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ أي ويجحدون بهذه النعم الجليلة، فينسبونها إلى غير الخالق من صنم أو وثن؟! ويسترون نعم الله عليهم.
جاء في الحديث الصحيح: «إن الله يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟».
ثم أخبر الله تعالى عن المشركين الذين عبدوا معه غيره، مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا، فقال:

صفحة رقم 181

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.. أي ويعبد هؤلاء المشركون بالله ما لا يستطيع تقديم الأرزاق لهم من السماء والأرض، فلا يقدر على إنزال المطر، ولا إنبات الزرع والشجر، بل ولا يملكون ذلك لأنفسهم، فليس لهم الإمداد بالرزق لأنفسهم ولغيرهم، ولا يقدرون عليه، لو أرادوه.
وفائدة قوله: وَلا يَسْتَطِيعُونَ نفي الملك وتحصيل الملك، فمن لا يملك شيئا قد يكون مستطيعا أن يتملكه بطريق ما، فأبان تعالى أن هذه الأصنام لا تملك، وليس في استطاعتها أيضا تحصيل الملك «١». وجمع يَسْتَطِيعُونَ بالواو والنون المختص بأولي العلم اعتبارا لما يعتقدون فيها أنها آلهة.
ونتيجة ما ذكر: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ أي لا تجعلوا له أندادا وأشباها وأمثالا، ولا تشبهوه بخلقه، قال ابن عباس- فيما رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم في هذه الآية-: أي لا تجعلوا معي إلها غيري، فإنه لا إله غيري.
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي إن الله يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو، وأنتم بجهلكم تشركون به غيره. وإن الله تعالى يعلم ما عليكم من العقاب الشديد، بسبب عبادة هذه الأصنام، فاتركوا عبادتها، وأنتم لا تعلمون ذلك، ولو علمتموه لتركتم عبادتها. وهذا تهديد شديد على عظم جرمهم وكفرهم ومعاصيهم، وردّ على عبدة الأصنام.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يلي:
١- إن الله تعالى هو المتصرف في شؤون الإنسان من حياة أو موت، فهو

(١) تفسير الرازي: ٢٠/ ٨٢

صفحة رقم 182

خلقه وهو يتوفاه في أجل معين، وهو الذي يحميه من الأمراض، أو يرده إلى أرذل العمر حال الكبر يعني أردأه وأوضعه، وهو الخرف ونقص القوة والعقل وسوء الحفظ وقلة العلم، فيصبح كالصبي الذي لا عقل له، ولا يعلم ما كان يعلم قبل من الأمور لفرط الكبر. ودلت الآية أيضا على تفاوت الناس في الأعمار.
وهذا دليل على وجود إله عالم فاعل مختار، وعلى صحة البعث والقيامة لأن الانتقال من العدم إلى الوجود كالعودة إلى الوجود مرة أخرى.
٢- لله تعالى الحكمة البالغة في قسمة الأرزاق بين العباد، فجعل منهم الغني والفقير والمتوسط، ليتكامل الكون، ويتعايش الناس، ويخدم بعضهم بعضا، ويحجب عن الإنسان انزلاقه في المعاصي، كما قال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ، لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى ٤٢/ ٢٧] فالآية دليل على أن التفاوت في الأرزاق كالتفاوت في الأعمار.
ورتّب الله على هذا التفاوت في الأرزاق نتيجة منطقية تمس الاعتقاد في مثل ضربه الله لعبدة الأصنام وهو: إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؟ فلما لم يجيزوا لأنفسهم أن يشركهم عبيدهم في أموالهم، لم يجز لهم أن يشاركوا الله تعالى في عبادة غيره من الأوثان وغيرها مما عبد، كالملائكة والأنبياء، وهم عبيده وخلقه.
والتفاوت ليس مختصا بالمال، بل هو حاصل في الذكاء والبلادة والحسن والقبح والعقل والحمق والصحة والسقم والاسم الحسن والقبيح.
٣- من نعم الله على عباده جعل الزوجات من جنس الأزواج وشكلهم، وفي هذا ردّ على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوّج الجن وتباضعها.
ومن نعمه سبحانه إنجاب الذرية من بنين وبنات وحفدة (أولاد البنين).
ومن نعمه رزق الطيبات من الثمار والحبوب والحيوان وغير ذلك.

صفحة رقم 183
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية