
شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل (١)، عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أخي تشتكي بطنه فقال: "اسقه عسلًا" فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فلم يغن عنه شيئًا، فقال عليه السلام: " اذهب واسقه عسلاً، فقد صدق الله وكذب بطنُ أخيك، وسقاه فبرأ كأنما أُنْشِط من عقال" (٢)، وتاوَّلُوا في قوله: "صدق الله" قوله تعالى: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد في عظمة الله وقدرته (٣).
٧٠ - قوله تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ﴾ الآية. قال المفسرون: ولم تكونوا شيئًا (٤)، ﴿ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ عند إنقضاء آجالكم، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾
(٢) أخرجه بنحوه عبد الرزاق ٢/ ٣٥٨، عن قتادة مرسلاً، وأحمد ٣/ ١٩، والبخاري (٥٦٨٤): الطب، الدواء بالعسل، ومسلم (٢٢١٧) في السلام، باب: التداوي بسقي العسل، والترمذي (٢٠٨٣): الطب، ما جاء في التداوي بالعسل، والطبري ١٤/ ١٤١ من طريقين عن قتادة مرسلاً، والحاكم: الطب/العسل لشفاء المعدة، والبيهقي ٩/ ٣٤٤)، والثعلبي ٢/ ١٥٩ ب، بنصه وإسناده، والبغوي ٥/ ٢٩ - ٣٠، بنحوه، وورد بنحوه في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٤١، وهود الهواري ٢/ ٣٧٨، و"الماوردي" ٣/ ٢٠٠، و"مشكاة المصابيح" (٤٥٢١)، و"الرازي" ٢٠/ ٧٣، والخازن ٣/ ١٢٤، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٣١، وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
(٣) ورد في تفسيره "الوسيط" ٢/ ٤١٩، بنصه بلا نسبة، وبنحوه غير منسوب في "تفسير ابن كثير" ٢/ ٦٣٥.
(٤) ورد في "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٤ ب، بنصه، والطبرى ١٤/ ١٤١ بنصه، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٧٧، والخازن ٣/ ١٢٥.

وهو أَرْدَاه وأَوْضَعه، يقال: رَذُلَ الشيء يَرْذُلُ رَذَالَةً، وأَرْذَلَه غيره (١)، ومنه قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ [هود: ٢٧]، ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١]. روى أسباط عن السُّدّي: ﴿إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ قال: الخرف (٢)، ونحوه قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ [التين: ٥]، ونظير هذه الآية لفظًا ومعنى في الحج (٣)، وقال مقاتل: ﴿أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾: الهرم (٤)، وقال قتادة: تسعون سنة (٥)، روي عن علي -رضي الله عنه- قال: ﴿أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾: خمس وسبعون سنة (٦).
(٢) انظر: "تفسير الرازي" ٢٠/ ٧٧، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٣٢، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وتصحفت الكلمة فيه إلى (الخوف).
(٣) آية: [٥]، وهي ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾.
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٤ ب، بلفظه.
(٥) في جميع النسخ: تسعون، وكذلك في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٩٩ أ، نسخة المحمودية، لكن في نسخة الحرم النبوي (٢/ ١٥٩ ب) ذكرت أنها سبعون سنة، والصحيح الأول كما دلت عليه المصادر الأخرى، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٣٠، والزمخشري ٢/ ٣٣٦، وابن الجوزي ٤/ ٤٦٧، والفخر الرازي ٢٠/ ٧٧، والخازن ٣/ ١٢٥، وأبي حيان ٥/ ٥١٤.
(٦) أخرجه الطبري ١٤/ ١٤١ بنصه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩ب، بنصه، و"تفسير الماوردي" ٣/ ٢٠٠، بنصه، والطوسي ٦/ ٤٠٥ بنصه، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٣٠، والزمخشري ٢/ ٣٣٦، وابن عطية ٨/ ٤٦٤، وابن الجوزى ٤/ ٤٦٧، والفخر الرازي ٢٠/ ٧٧، والخازن ٣/ ١٢٥، وأبي حيان ٥/ ٥١٤، وابن كثير ٢/ ٦٣٥، و"الدر المنثور" ٥/ ٢٣٢، وما ذكره علي -رضي الله عنه- هو الأغلب؛ والأمر يختلف من إنسان لآخر؛ فمنهم من يرد إلى أرذل العمر قبل ذلك، ومنهم من يتعدى ذلك وهو بكامل قواه العقلية؛ كالعلماء. انظر: "تفسير ابن عطية" ٨/ ٤٦٤، وأبي حيان ٥/ ٥١٤.

قوله تعالى: ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ أي ليرجع إلى حال الطفولية بنسيان ما كان علم؛ للكِبَر، قال ابن عباس: كي يصير كالصبي الذي لا عقل له (١).
وقال أبو إسحاق: معنى قوله: ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾، أي: ليريكم من قدرته أنه كما قدّر إماتته وإحياءَه، إنه علي نقله من العلم إلى الجهل قادر (٢).
قال عطاء عن ابن عباس: ليس هذا في المسلمين، والمسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء عند الله إلا كرامة وعقلاً ومعرفة (٣)، وقال في قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ [التين: ٥]، يريد الكافر، ثم استثنى المؤمنين فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٤) [التين: ٦].
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢١١، بنصه.
(٣) انظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٤٦٨، بنصه، والخازن ٣/ ١٢٥، بنصه، والفخر الرازي ٢٠/ ٧٧، بلا نسبة.
(٤) الاستدلال بهذه الآية فيه نظر؛ فقد اختلف السلف في تأويلها وفي المراد بقوله تعالى. ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة والضحاك والنخعي: معناه الهرم والخرف وذهاب العقل، وهو اختيار ابن جرير، واستحسنه ابن عطية، وقال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وأبو العالية: معناه رددناه إلى النار، وهو اختيار ابن كثير والسعدي والشنقيطي. انظر: "تفسير الطبري" ٣٠/ ٢٤٤، وابن عطية ١٥/ ٥٠٤، وابن كثير ٤/ ٥٥٩، والسعدي ١٥٩٩، والشنقيطي ١٠/ ٣٣٨. والراجح القول الأول؛ وهو رده إلى الهرم، وعليه فيكون الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ منقطعًا، ويكون المراد أن المؤمن وإن ردّ إلى الهرم فإن أجر عمله الصالح لا ينقطع لعجزه بل يستمر على ما كان عليه قبل الهرم. أملاه عليّ شيخي.

ونحو هذا روى عاصم (١) عن عكرمة، قال: من قرأ القرآن لم يُردَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد علم شيئًا (٢)، وقال في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِخَتِ﴾: قرؤوا القرآن (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ﴾ قال ابن عباس: يريد بما صنع بأوليائه وأعدائه، ﴿قَدِيرٌ﴾: على ما يريد (٤).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٦/ ١٢١) بنصه، والطبري ١٤/ ١٤١ - ١٤٢، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٣٠، بنحوه، وابن الجوزي ٤/ ٤٦٨، بنصه، والفخر الرازي ٢٠/ ٧٧، بنصه، والخازن ٣/ ١٢٥، بنصه، وأبي حيان ٥/ ٥١٤، ونسبه إلى قتادة، فلعله وَهِمَ في ذلك، و"الدر المنثور" ٤/ ٢٣٢، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكره الألوسي في "روح المعاني" ١٤/ ١٨٨، وهذا القول غير صحيح وواقع الناس على خلافه؛ فكم رد من المسلمين إلى أرذل العمر، وقد يكونون من العلماء، ومشهور بين علماء الحديث مصطلح اختلط بأخرة. وقد رده الألوسي قائلاً: والمشاهدة تكذب كلا القولين، [أي عدم رد المسلمين ومن قرأ القرآن]؛ فكم رأينا مسلمًا قارئًا القرآن قد رد إلى ذلك، والاستدلال بالآية على خلافه فيه نظر، وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُرد أرذل العمر" رواه البخاري (٦٣٧٠) كتاب: الدعوات، باب: التعوذ من البخل.
(٣) انظر: "تفسير الخازن" ٣/ ١٢٥، بنصه.
(٤) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٧٧ بنصه، والخازن ٣/ ١٢٥ بنصه غير منسوب.