آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٥ الى ٦٩]

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)
تفسير المفردات
المراد بحياة الأرض: إنباتها الزرع والشجر وإخراجها الثمر، يسمعون: أي يسمعون سماع تدبر وفهم. قال الفراء والزجاج: النعم والأنعام واحد يذكر ويؤنث، ولهذا تقول العرب هذه نعم وارد، ورجحه ابن العربي فقال إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع والتأنيث إلى معنى الجماعة وقد جاء بالوجهين هنا وفى سورة المؤمنين، والعبرة:
الاعتبار والعظة، والفرث: كثيف ما يبقى من المأكول فى الكرش والمعى، خالصا:
أي مصفّى من كل ما يصحبه من مواد أخرى، سائغا: أي سهل المرور فى الحلق، يقال ساغ الشراب فى الحلق وأساغه صاحبه قال تعالى: «وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ» والسكر:
الخمر، والرزق الحسن: الخل والرّبّ والتمر والزبيب ونحو ذلك، وأوحى. ألهم وعلّم، وبيوتا: أي أوكارا وأصل البيت مأوى الإنسان واستعمل هنا فى الوكر الذي تبنيه النحل لتعسل فيه، لما فيه من دقة الصنع وجميل الهندسة، ويعرشون: أي يرفعون من الكروم والسقوف، والسبل: الطرق واحدها سبيل، والذلل واحدها ذلول: أي

صفحة رقم 101

منقادة طائعة، والشراب العسل، مختلف ألوانه من أبيض إلى أصفر إلى أسود بحسب اختلاف المرعى.
المعنى الجملي
بعد أن وعد المؤمنين بجنات تجرى من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظّى، جزاء ما دنّسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم ونسبة البنات إليه وافترائهم عليه ما لم ينزل به سلطانا- عاد إلى ذكر دلائل التوحيد من قبل أنه قطب الرحى فى الدين الإسلامى وكل دين سماوى، ويليه إثبات النبوات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنىّ بإخراج اللبن من الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر والخل والدّبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين أثناء ذلك كيف ألهم النحل بناء البيوت والبحث عن أرزاقها من كل فجّ.
الإيضاح
(وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) نبه سبحانه عباده إلى الحجج الدالة على توحيده، وأنه لا تنبغى الألوهية إلا له ولا تصلح العبادة لشىء سواه، فبين أن ذلك المعبود هو الذي أنزل من السماء مطرا، فأنبت به أنواعا مختلفة من النبات فى أرض ميتة يابسة، لا زرع فيها ولا عشب، إن فى ذلك الإحياء بعد الموت لدليلا واضحا، وحجة قاطعة على وحدانيته تعالى وعلمه وقدرته لمن يسمع هذا القول سماع تدبر وفهم لما يسمع، إذ لا عبرة بسماع الآذان، فهو أشبه بسماع الحيوان.
وبعد أن ذكر نزول الماء من السحاب ذكر خروج اللبن من الضّرع، وفيه أكبر الأدلة على قدرة القادر فقال:

صفحة رقم 102

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) أي وإن لكم أيها الناس لعظة فى الأنعام دالة على باهر قدرتنا، وبديع صنعنا، وواسع فضلنا، ورحمتنا بعبادنا، فإننا نسقيكم مما فى بطونها من اللبن الخالص من شائبات المواد الغربية، السهل التناول، اللذيذ الطعم، وهو متولد من بين فرث ودم.
فإن الله جلت قدرته جعل الحيوان يتغذى بما يأكل من نبات ولحوم ونحوهما حتى إذا هضم المأكول تحول بإذنه تعالى إلى عصارة نافعة للجسم وفضلات تطرد إلى الخارج، ومن هذه العصارة يتكون الدم الذي يسرى فى عروق الجسم لحفظ الحياة، وبعض هذا الدم يذهب إلى الغدد التي فى الضرع فتحولها إلى لبن، فكأنّ الصانع الحكيم جعلها مصنعا ومعملا لتحويل الدم إلى لبن، وهكذا فى الجسم غدد أخرى كالغدد الأنفية للمخاط والغدد الدمعية للعين، والغدد المنويّة التي تحول الدم إلى مادة التلقيح.
وبعد أن ذكر اللبن وبين أنه جعله شرابا سائغا للناس، ثلّث بذكر ما يتخذ من الأشربة من ثمرات النخيل والأعناب فقال:
(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) أي ولكم أيضا عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب مما تتخذونه خمرا وخلا ودبا (عسل التمر) وتمرا.
روى عن ابن عباس أنه قال: السّكر ما حرّم من ثمرتيهما، والرزق الحسن ما أحلّ من ثمرتيهما كالخل والرّب (المربة) والتمر والزبيب ونحو ذلك.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي إن فى ذلك لآية باهرة لمن يستعملون عقولهم.
بالنظر والتأمل فى الآيات، ويعتبرون بما يستخلص من العبر.
(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) أي وألهم ربك النحل وألقى فى روعها، وعلّمها أعمالا يتخيل منها أنها ذوات عقول.

صفحة رقم 103

وقد تتبع علماء المواليد أحوالها وكتبوا فيها المؤلفات بكل اللغات، وخصصوا لها مجلات تنشر أطوارها وأحوالها، وقد وصلوا من ذلك إلى أمور:
(١) إنها تعيش جماعات كبيرة قد يصل عدد بعضها نحو خمسين ألف نحلة، وتسكن كل جماعة منها فى بيت خاص يسمى خلية.
(٢) إن كل خلية يكون فيها نحلة واحدة كبيرة تسمى الملكة أو اليعسوب، وهى أكبرهم جثة وأمرها نافذ فيهم، وعدد يتراوح بين أربعمائة نحلة وخمسمائة يسمى الذكور، وعدد آخر من خمسة عشر ألفا إلى خمسين ألف نحلة، ويسمى الشغالات أو العاملات.
(٣) تعيش هذه الفصائل الثلاث فى كل خلية عيشة تعاونية على أدق ما يكون نظاما، فعلى الملكة وحدها وضع البيض الذي يخرج منه نحل الخلية كلها، فهى أم النحل، وعلى الذكور تلقيح الملكات وليس لها عمل آخر وعلى الشغالة خدمة الخلية وخدمة الملكات وخدمة الذكور، فتنطلق فى المزارع طوال النهار لجمع رحيق الأزهار ثم تعود إلى الخلية فتفرز عسلا يتغذى به سكان الخلية صغارا وكبارا، وتفرز الشمع الذي تبنى به بيوتا سداسية الشكل تخزن فى بعضها العسل، وفى بعض آخر منها تربى صغار النحل، ولا يمكن المهندس الحاذق أن يبنى مثل هذه البيوت حتى يستعين بالآلات كالمسطرة والفرجار (البرجل). قال الجوهري: ألهمها الله أن تبنى بيوتها على شكل سداسى حتى لا يحصل فيه خلل ولا فرجة ضائعة، كما عليها أن تنظف الخليّة وتخفق بأجنحتها لتساعد على تهويتها، وعليها أيضا الدفاع عن المملكة وحراستها من الأعداء كالنمل والزنابير وبعض الطيور.
ثم فسر سبحانه ما أوحى به إليها بقوله:
(أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) أي اجعلي لك بيوتا فى الجبال تأوين إليها، أو فى الشجر أو فيما يعرش الناس ويبنون من البيوت والسقف والكروم ونحوها.

صفحة رقم 104

(ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي ثم كلى أيتها النحل من كل ثمرة تشتهيها، حلوة أو مزّة أو بين ذلك.
(فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا) أي فاسلكى الطرق التي ألهمك الله أن تسلكيها، وتدخلى فيها لطلب الثمار، ولا تعسر عليك وإن توعّرت، ولا تضلّى عن العودة منها وإن بعدت.
وبعد أن خاطب النحل أخبر الناس بفوائدها لأن النعمة لأجلهم فقال:
(يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أي يخرج من بطونها عسل مختلف الألوان، فتارة يكون أبيض وأخرى أصفر، وحينا أحمر بحسب اختلاف المرعى.
(فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) لأنه نافع لكثير من الأمراض، وكثيرا ما يدخل فى تركيب العقاقير والأدوية.
روى البخاري ومسلم عن أبى سعيد الخدري أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه فقال: إن أخى استطلق بطنه فقال له رسول الله (اسقه عسلا) فسقاه عسلا، ثم جاء فقال يا رسول الله: سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا، قال (اذهب فاسقه عسلا (فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال يا رسول الله ما زاده ذلك إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا) فذهب فسقاه عسلا فبرئ.
وعلل هذا بعض الأطباء الماضين قال: كان لدى هذا الرجل فضلات فى المعدة، فلما سقاه عسلا تحللت فأسرعت إلى الخروج فزاد إسهاله، فاعتقد الأعرابى أن هذا يضره وهو فائدة لأخيه، ثم سقاه فازداد التحلل والدفع، وكلما سقاه حدث مثل هذا حتى اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن، فاستمسك بطنه، وصلح مزاجه، وزالت الآلام والأسقام بإرشاده عليه السلام.
وروى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

صفحة رقم 105

«الشفاء فى ثلاثة فى شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كيّة بنار، وانهى أمتى عن الكىّ».
وقد أثبت الطب الحديث ما للعسل من فوائد، أدع الكلام فيها ليتولى شرحها النطاسي الكبير المرحوم عبد العزيز إسماعيل باشا قال فى كتابه: [الإسلام والطب الحديث].
ما أصدق الآية الكريمة! «فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ» إن التركيب الكيماوى للعسل كما يلى:
من ٢٥- ٤٠ دكستروز (جلوكوز).
«٣٠- ٤٥ ليفيلوز.
«١٥- ٢٥ ماء.
والجلوكوز الموجود فيه بنسبة أكثر من أي غذاء آخر، وهو سلاح الطبيب فى أغلب الأمراض، واستعماله فى ازدياد مستمر بتقدم الطب، فيعطى بالفم وبالحقن الشرجية وتحت الجلد وفى الوريد، ويعطى بصفته مقويا ومغذيا، وضد التسمم الناشئ من مواد خارجية كالزرنيخ والزئبق والذهب والكلوفرم والمورفين إلخ، وضد التسمم الناشئ من أمراض أعضاء الجسم مثل التسمم البولى والناشئ من أمراض الكبد، والاضطرابات المعدية والمعوية، وضد التسمم فى الحميات، مثل التيفويد والالتهاب الرئوي والسحائى المخى والحصبة، وفى حالات ضعف القلب، وحالات الذبحة الصدرية، وبصفة خاصة فى الارتشاحات العمومية الناشئة من التهابات الكلى الحادة وفى احتقان المخ وفى الأورام المخية إلخ وقد يقال: وما أهمية هذه الآية مع أن كل أنواع الغذاء لها فوائد، وقد ذكر العسل لأنه غذاء لذيذ الطعم وبطريق المصادفة.
فالحقيقة هى أن أنواع الغذاء الأخرى لا تستعمل كعلاج إلا فيما نذر من الأمراض ناشئة عن نقصها فى الغذاء فقط، وهذه الفواكه التي تشبه العسل فى الطعم فإن

صفحة رقم 106

السكر الذي فيها هو سكر القصب أو أنواع أخرى، وليس فيها إلا نسبة ضئيلة من (الجلوكوز) الذي هو أهم عناصر العسل.
وإذا علمنا أن الجلوكوز يستعمل مع الأنسولين حتى فى حالة التسمم الناشئ عن مرض البول السكرى- علمنا مقدار فوائده، وأن القرآن الكريم لم يذكره بطريق المصادفة، ولكنه تنزيل ممن خلق الإنسان والنحل، وعلم كلا منهما علاقته بالآخر اه.
كيف يتكون العسل
تمتص الشغالة رحيق الأزهار، فينزل ويجتمع فى كيس فى بطنها، وهناك يمتزج بعصارة خاصة فيتحول إلى عسل، ولله در أبى العلاء إذ يقول:

والنحل يجنى المرّ من زهر الرّبا فيعود شهدا فى طريق رضابه
ثم تعود النحلة إلى الخلية فتفرز العسل من فمها فى البيوت الشمعية التي خصصت بتخزين العسل، وكلما امتلأ بيت منها غطاه النحل بطبقة من الشمع وانتقل إلى بيت آخر.
شمع النحل
تفرز الشغالة صفحات رقيقة صلبة من الشمع تخرجها من بين حلقات بطنها، ثم تمضغها بفيها حتى تلين، ويسهل تشكلها بحسب ما تريد، فتستعملها فى بناء بيوتها السداسية الشكل.
فوائد النحل
(١) نأخذ منها العسل الذي هو غذاء لذيذ الطعم يحوى مقدارا كبيرا من المواد المفيدة للجسم.
(٢) نأخذ منها الشمع الذي تصنع منه شموع الإضاءة.

صفحة رقم 107
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية