آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ

٨- اشتملت آية أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أي بالسّيئات على وعيد للمشركين الذين احتالوا على تقويض أركان الإسلام بخسف الأرض كما خسفها بقارون، أو بمفاجأتهم بالعذاب كما فعل بقوم لوط وغيرهم، أو بأخذهم في تقلبهم أي في أثناء أسفارهم وتصرفاتهم، وما هم بمعجزين الله، أي سابقين الله ولا فائتيه، أو بأخذهم في حال تخوّف وإرهاب، أو على تنقّص من أموالهم ومواشيهم وزروعهم، أي تنقص من الأموال والأنفس والثّمرات، حتى أهلكهم كلّهم.
٩- من أدلّة عظمة الله وكبريائه وقدرته سجود كلّ ما يدبّ على الأرض له، وكذا الملائكة الذين في الأرض، وخصّهم بالذّكر لشرف منزلتهم، فكلّ جماد ونبات وحيوان وإنس وجنّ وملائكة يخضعون لله وينقادون لأمره، ولا يستكبرون عن عبادة ربّهم، ويخافون عقاب ربّهم وعذابه من فوقهم، لأن العذاب المهلك إنما ينزل من السماء، ويمتثلون كل ما يؤمرون به، وهؤلاء هم الملائكة.
١٠- استدلّ بعضهم بهذه الآية على أن الملائكة أفضل من البشر لتخصيصهم بالذّكر، ولأنهم لا يستكبرون عن عبادة ربّهم، فليس في قلوبهم تكبّر وترفّع، ولأنهم يفعلون ما يؤمرون، مما يدلّ على أن أعمالهم خالية من الذّنب والمعصية، ولأنهم خلقوا قبل البشر بأزمان مديدة وهم طائعون لله طوال هذه المدة، ولا شيء فوقهم في الشرف والرتبة إلا الله تعالى.
مناقشة عقائد المشركين وأعمالهم القبيحة
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٥١ الى ٦٢]
وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)

صفحة رقم 149

الإعراب:
واصِباً حال من الدِّينُ، وعامله لَهُ الجار والمجرور الذي فيه معنى الظرف.
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ ما: شرطية، أو موصولة متضمّنة معنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول، فإن استقرار النعمة بهم يكون سببا للإخبار بأنها من الله تعالى.
وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ ما: مبتدأ وخبره لَهُمْ مقدم عليه، أو معطوف بالنصب على الْبَناتِ.
سُبْحانَهُ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه.
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ ألسنة: جمع لسان، واللسان يذكّر ويؤنث، فمن ذكّر جمعه

صفحة رقم 150

على ألسنة، ومن أنّث جمعه على ألسن، والقرآن أتى بالتّذكير. والْكَذِبَ: مفعول تَصِفُ. ومن قرأ الْكَذِبَ بثلاث ضمّات، كان مرفوعا على أنه صفة الألسنة.
البلاغة:
فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ فيه إفادة القصر، أي لا تخافوا غيري، وفيه التفات عن الغيبة إلى التّكلم، مبالغة في التّرهيب والمهابة، وتصريحا بالمقصود، فكأنه قال: فأنا ذلك الإله الواحد، فإياي فارهبون لا غيري. ويلاحظ وجود السّجع في أواخر الآيات فَارْهَبُونِ تَتَّقُونَ تَجْئَرُونَ يُشْرِكُونَ تَفْتَرُونَ...
فَتَمَتَّعُوا.. تهديد ووعيد.
يَسْتَأْخِرُونَ يَسْتَقْدِمُونَ بينهما طباق.
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صيغة مبالغة.
سُبْحانَهُ اعتراض لتعجيب الخلق من هذا الجهل الفاضح القبيح.
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ كلام بليغ بديع، أي ألسنتهم كاذبة، كقولهم: «عينها تصف السحر» أي ساحرة.
المفردات اللغوية:
إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ تأكيد. إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فيه إثبات الألوهية والوحدانية.
فَارْهَبُونِ خافون دون غيري، وفيه التفات عن الغيبة. والرّهبة: الخوف. وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا وعبيدا. وَلَهُ الدِّينُ الطاعة والإخلاص. واصِباً دائما لازما، كما قال تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ [الصافات ٣٧/ ٩]. أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ أي مع أنه الإله الحق ولا إله غيره، والاستفهام للإنكار والتّوبيخ. وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أي وأي شيء اتّصل بكم من نعمة، فهو من الله، فلا نافع غيره، ولا ضارّ سواه.
مَسَّكُمُ أصابكم. الضُّرُّ كالفقر والمرض. تَجْئَرُونَ تتضرّعون لكشفه أو ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والدّعاء، ولا تدعون غيره. والجؤار: رفع الصوت في الدّعاء والاستغاثة. إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ وهم كفاركم. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ من النّعمة، أي كأنهم قصدوا بشركهم كفران النّعمة، وإنكار كونها من الله تعالى. فَتَمَتَّعُوا باجتماعكم على عبادة الأصنام، وهو أمر تهديد.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة ذلك وأغلظ وعيده.
وَيَجْعَلُونَ أي المشركون. لِما لا يَعْلَمُونَ أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد، أو لما

صفحة رقم 151

لا يعلمون أنها تضرّ ولا تنفع، وهي الأصنام. نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الزروع والأنعام، بقولهم:
هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا [الأنعام ٦/ ١٣٦] تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ سؤال توبيخ، وفيه التفات عن الغيبة. تَفْتَرُونَ تكذبون على الله من أنه أمركم بذلك، وأنها آلهة حقيقة بالتّقرب إليها، وهو وعيد لهم عليه.
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ بقولهم: الملائكة بنات الله، كانت خزاعة وكنانة يقولون: إن الملائكة بنات الله. سُبْحانَهُ تنزيها له عن النقائص، أو تنزيها له من قولهم أو تعجّبا منه ومما زعموا. وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ أي يشتهونه، وهم البنون، والمعنى: يجعلون له البنات التي يكرهونها، وهو منزّه عن الولد، ويجعلون لهم الأبناء الذين يختارونهم، فيختصون بالأسنى الأرفع، كقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ، وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟ [الصافات ٣٧/ ١٤٩].
وَإِذا بُشِّرَ البشارة: إلقاء الخبر المؤثر في تغير الوجه، ويكون في السّرور والحزن، وجاءت الآية في الثاني (الحزن) ثم خصّ عرفا بالخبر السّارّ. ظَلَّ صار مُسْوَدًّا متغيّرا، وهو كناية عن الاغتمام من الكآبة والحياء من الناس. كَظِيمٌ ممتلئ غمّا وغيظا وحزنا.
يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ يستخفي منهم أي من قومه. مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ من سوء المبشر به عرفا، خوفا من التغيير، مترددا فيما يفعل به. أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أيتركه بلا قتل، بهوان وذلّ، والإمساك هنا: الحبس. أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أي يواريه في التّرب أو يئده، وذكر ضمير يمسكه ويدسّه لأنه عائد على ما في قوله تعالى: ما بُشِّرَ بِهِ. ساءَ بئس.
ما يَحْكُمُونَ حكمهم هذا، حيث نسبوا لخالقهم البنات اللاتي هنّ عندهم بهذا التقدير.
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي الكفار. مَثَلُ السَّوْءِ أي الصفة السوء بمعنى القبيحة، وهي اشتهاء الذكور استظهارا بهم، وكراهة الإناث ووأدهنّ خشية الإملاق أو الفقر والعار، مع احتياجهم إليهن للزواج. وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا هو، واتّصافه بجميع صفات الجلال والكمال، فله الوجوب الذاتي، والغنى المطلق، والجود الفائق، والنزاهة عن صفات المخلوقين. وَهُوَ الْعَزِيزُ القوي في ملكه، المتفرد بكمال القدرة. الْحَكِيمُ المتّصف بكمال الحكمة في صنعه وخلقه.
بِظُلْمِهِمْ بالمعاصي. ما تَرَكَ عَلَيْها على الأرض. مِنْ دَابَّةٍ نسمة تدبّ عليها.
لا يَسْتَأْخِرُونَ عنه. وَلا يَسْتَقْدِمُونَ عليه، بل هلكوا وعذبوا حينئذ لا محالة، وإضافة الظلم للناس الدّال على العموم: لا يلزم أن يكونوا كلهم ظالمين، حتى الأنبياء عليهم السّلام، لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم، وصدر عن أكثرهم. وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ أي ينسبون لله ما هو قبيح لأنفسهم من البنات، والشريك في الرّياسة، وإهانة الرّسل، وخبائث الأموال.
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ مع ذلك، أي يكذبون، كما يقال: عينها تصف السحر، أي هي

صفحة رقم 152

ساحرة، وقدّها يصف الهيف، أي هي هيفاء. وكذبهم هو أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى عند الله، أي الجنة، لقوله تعالى حكاية عنهم: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى [فصلت ٤١/ ٥٠]. لا جَرَمَ حقّا. مُفْرَطُونَ متركون فيها أو مقدّمون إليها، معجّلون بهم إليها. وعلى قراءة كسر الراء: أي متجاوزون الحدّ.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى أنّ كل ما سوى الله منقاد خاضع لجلاله وكبريائه وسلطانه، أتبع ذلك بأمور ثلاثة:
أولها- النّهي عن الشّرك، وأن كلّ ما سواه فهو ملكه، وأنه غني عن الكلّ، وأن الناس مذبذبون، فإذا أصابهم الضّرّ تضرّعوا إلى الله تعالى، وإذا كشفه عنهم، عادوا إلى الكفر والشرك.
ثانيها- بيان قبائح أفعال المشركين، بعد إيراد سخف أقوالهم وفسادها.
ثالثها- إمهال هؤلاء الكفار، وحلم الله عليهم، وعدم معاجلتهم بالعقوبة، بالرّغم من عظيم كفرهم، وقبيح أفعالهم، إظهارا للفضل والرّحمة والكرم.
التفسير والبيان:
بما أنه ثبت في الآيات السالفة خضوع كل ما في الكون لله تعالى، فذلك دليل قاطع على وحدانية الله، لذا أخبر تعالى أنه لا إله إلا هو، وأنه لا ينبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، فإنه مالك كلّ شيء وخالقه وربّه، فقال تعالى:
وَقالَ اللَّهُ: لا تَتَّخِذُوا.. أي وقال الله تعالى للناس: لا تتخذوا إلهين اثنين، أي لا تتخذوا لي شريكا، ولا تعبدوا سواي، فمن عبد مع الله غيره فقد أشرك به، إنما هو الله إله واحد، ومعبود واحد، فاتّقوني وخافوا عقابي بالإشراك وعبادة سواي.

صفحة رقم 153

وإنما ذكر اثْنَيْنِ بعد قوله إِلهَيْنِ لتأكيد التنفير عن التعدد، والدّلالة على أن المنهي عنه هي الاثنينية. وكان ذكر واحِدٌ بعد قوله إِلهٌ للدلالة على أن المقصود إثبات الوحدانية، أما الألوهية فلا خلاف ولا نزاع فيها. وجاء بهذه العبارة إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ بعد ثبوت الإله ونفي التعدّد للدلالة على أنه لما ثبت وجود الإله وأنه لا بدّ للعالم من الإله، وثبت أن القول بوجود الإلهين محال، ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد الفرد الصّمد.
والخلاصة مما ذكر: أن لا إله إلا الله وحده، وأن العبادة لا يستحقها سواه.
وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ.. أي لما كان الإله واحدا، والواجب لذاته واحدا، كان كل ما سواه حاصلا بخلقه وتكوينه وإيجاده، فلله جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، فهو خالقهم ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، وهم عبيده ومملوكوه، وله الدّين واصبا، أي له الطاعة والانقياد والعبادة على سبيل الدوام والاستمرار، فالدّين هنا: الطاعة، والواصب: الدائم. وقيل:
الواصب: الواجب اللازم أبدا.
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ أي إنكم بعد ما عرفتم أن إله العالم واحد، وعرفتم أن كلّ ما سواه محتاج إليه في وقت حدوثه، ومحتاج إليه أيضا في وقت دوامه وبقائه، فكيف يعقل الرغبة في غير الله أو رهبة غير الله تعالى؟ وهذا مقول على سبيل التّعجب.
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ.. وإذا كان الواجب ألا يتقى غير الله، فالواجب ألا يشكر غير الله إذ ما من نعمة بكم من إيمان وسلامة جسد وعافية، ورزق ونصر ونحو ذلك إلا وهي من الله عزّ وجلّ ومن فضله وإحسانه.
فدلّت الآية على أن العاقل يجب عليه ألا يخاف وألا يتقي أحدا إلا الله، وألا يشكر أحدا إلا الله تعالى، فجميع النّعم من الله تعالى.

صفحة رقم 154

وكذلك لا يدفع الضّرّ إلا الله بقوله: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ.. أي إذا تعرّضتم لسوء أو ضرر في أنفسكم من مرض أو خوف أو مشقة، ونحوها من الضرورات، فإليه تلجؤون وتسألون وتدعون، وتلحون في الرّغبة إليه والاستغاثة به لكشف ذلك عنكم، لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو.
وهذا كقوله تعالى: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً [الإسراء ١٧/ ٦٧].
ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ.. أي ثم إذا كشف الضّرّ عنكم، وأزال المخاوف، ووهبكم النعمة والسلامة والعافية، وفرج البلاء عنكم، إذا أنتم تفترقون فريقين، ففريق منكم يبقى على ما كان عليه من الإيمان، فلا يفزع إلا إلى الله تعالى، وفريق منكم عند ذلك يتغيرون، فيشركون بالله غيره في العبادة، وهذا مثار عجب من فعل هؤلاء، حيث يقابلون النعمة بالنقمة، والشكر بالشرك بالله تعالى. والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ هذه اللام إما لام التعليل، أي قيضنا لهم ذلك ليكفروا أي يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم، والمعنى: أنهم أشركوا بالله غيره في كشف الضّر عنهم، وغرضهم من الإشراك أن ينكروا كون ذلك الإنعام من الله تعالى.
وإما لام العاقبة (الصيرورة) أي أن عاقبة تلك التضرّعات ما كانت إلا هذا الكفر، كقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص ٢٨/ ٨].
ثم توعّدهم وهدّدهم قائلا: فَتَمَتَّعُوا.. أي اعملوا ما شئتم، وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا في الحياة الدّنيا، فسوف تعلمون عاقبة تمتعكم، وما ينزل بكم من العذاب، وتدركون سوء ما أنتم عليه. وهذا الأمر التهديدي مثل قوله تعالى:

صفحة رقم 155

فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف ١٨/ ٢٩]، وقوله تعالى: قُلْ: آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا [الإسراء ١٧/ ١٠٧].
ثم أخبر الله تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأوثان والأصنام بغير علم، وجعلوا للأنداد نصيبا مما رزقهم الله، فقال تعالى:
١- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ.. أي ويجعل هؤلاء المشركون للأصنام التي لا يعلمون حقيقتها أنها جماد لا يضرّ ولا ينفع، فهم إذن جاهلون بها، يجعلون لها نصيبا مع الله تعالى، مما رزقناهم من الحرث والأنعام وغيرها يتقرّبون به إلى الله تعالى، ونصيبا يتقرّبون به إليها، كما قال تعالى عنهم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام ٦/ ١٣٦].
ثم توعّدهم الله على أفعالهم مقسما بنفسه الكريمة فقال: تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ أي أقسم لأسألنكم عن ذلك الذي افتريتموه من الباطل، ولأجازينكم عليه أوفر الجزاء في نار جهنم، كما قال تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر ١٥/ ٩٢- ٩٣]. وهذا سؤال توبيخ وتأنيب وتقريع لهم على إثمهم وجرمهم.
٢- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ.. أي ومن جهل المشركين وإفكهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرّحمن بنات الله، فعبدوها مع الله تعالى، إذ قالت خزاعة: الملائكة بنات الله، كما قال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزّخرف ٤٣/ ١٩]، فأخطؤوا خطأ كبيرا، إذ نسبوا إليه تعالى الولد، ولا ولد له، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد وهو البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، وإنما يرضون الذّكور، كما قال تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ

صفحة رقم 156

الْأُنْثى، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى
أي جائرة [النّجم ٥٣/ ٢١- ٢٢]، وقال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ: وَلَدَ اللَّهُ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات ٣٧/ ١٥١- ١٥٤]، نزلت في خزاعة وكنانة، فإنهم زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى، فكانوا يقولون: ألحقوا البنات بالبنات.
وهنا قال تعالى: وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعني البنين، أي أنهم يختارون لأنفسهم الذّكور، ويأنفون من البنات التي نسبوها إلى الله تعالى، تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا. وهو كقوله تعالى: أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور ٥٢/ ٣٩].
ثم عاب الله تعالى على العرب تبرمهم بالبنات فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى.. أي وإذا بشّر أحد هؤلاء العرب الذين جعلوا لله البنات بولادة أنثى، ظلّ وجهه مسودّا أي كئيبا من الهمّ، وهو كظيم، أي ساكت من شدّة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من القوم، أي يكره أن يراه الناس، من مساءة ما بشّر به، هل يمسك المولود الأنثى على هوان وذلّ وعار وفقر، أم يدفنها في التراب وهي حيّة، وذلك هو الوأد المذكور في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير ٨١/ ٨- ٩].
أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إلى الله تعالى، وهو كقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا، وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف ٤٣/ ١٧].
والتبشير عرفا: مختصّ بالخبر الذي يفيد السّرور، إلا أنه بحسب الأصل في اللغة: عبارة عن الخبر الذي يؤثر في تغير بشرة الوجه، وكلّ من السّرور والحزن يوجب تغيّر البشرة.
وذكر ضمير أَيُمْسِكُهُ لأنه عائد على ما.

صفحة رقم 157

ثم أجمل الله تعالى موقف المشركين حول هذا الأمر، فقال:
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.. أي للذين لا يصدّقون بالحياة الآخرة وما فيها صفة السّوء التي هي كالمثل في القبح، أي لهم صفة النّقص بما ينسب إليهم، وهي الحاجة إلى الأولاد الذّكور، وكراهة الإناث، ووأدهن خشية الإملاق، والإقرار على أنفسهم بالشّح البالغ.
وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي وله تعالى الصفة العليا، والكمال المطلق، فهو الواحد المنزّه عن الولد والوالد والشريك، وهو الغني عن العالمين، والمنزّه عن صفات المخلوقين، وهو الجواد الكريم، أي فله الكمال المطلق من كل وجه.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي وهو القوي الذي لا يغلب، الحكيم في صنعه الذي لا يفعل إلا بما تقتضيه الحكمة السديدة.
وبعد أن حكى الله تعالى عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح قولهم، بيّن أنه يمهل هؤلاء الكفار، ولا يعاجلهم بالعقوبة، فضلا منه ورحمة وكرما، فقال:
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ.. هذا إخبار عن حلمه تعالى بخلقه، مع ظلمهم، فلو أنه يؤاخذهم بذنوبهم ومعاصيهم ويعاقبهم على جرمهم فورا، ما ترك على ظهرها من دابة، أي لأهلك جميع دواب الأرض، تبعا لإهلاك بني آدم، ولكنه جلّ جلاله حليم ستّار غفور رحيم، يؤخرهم إلى أجل مسمى، فلا يعاجلهم بالعقوبة إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا.
روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضرّ إلا نفسه، فقال: بلى والله، حتى إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم.

صفحة رقم 158

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كاد الجعل «١» يهلك في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ الآية: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ.. وهذا مروي أيضا عن أبي الأحوص.
وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... أي ولكن بحلمه تعالى يؤخر هؤلاء الظلمة والعصاة، فلا يعاجلهم بالعقوبة، إلى أجل سمّاه الله لعذابهم، فإذا حان وقت هلاكهم، لا يستأخرون عن الهلاك ساعة، ولا يتقدّمون قبله، حتى يستوفوا أعمارهم.
روى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر بالذريّة الصالحة، يرزقها الله العبد، فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر».
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ أي وينسبون إلى الله ما يكرهون لأنفسهم من البنات ومن الشركاء الذين هم عبيد الله، وهم يأنفون أن يكون لأحدهم شريك في ماله وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أي ويكذبون في دعواهم أن لهم العاقبة الحسنة في الدّنيا وفي الآخرة وهي الجنة على هذا العمل. روي أنهم قالوا: إن كان محمد صادقا في البعث، فلنا الجنة بما نحن عليه، فردّ الله عليهم مقالهم بقوله:
لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ، وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي حقّا أن لهم النار، وأنهم متروكون فيها أو معجل بها إليهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
أبانت الآيات الأحكام التالية:

(١) الجعل مفرد جعلان: دابة سوداء من دوابّ الأرض.

صفحة رقم 159

١- النّهي عن تعدّد الآلهة أو الشّرك، والأمر بالوحدانية والتّوحيد لأن الإله الحقّ لا يتعدّد، وأن كل من يتعدّد فليس بإله، والله تعالى واحد في ذاته المقدّسة، فقد قام الدّليل العقلي والشّرعي على وحدانيته تعالى.
٢- ترتب على وحدانية الله أنه المستحق للعبادة، فلا يعبد سواه، ولا يخاف غيره.
٣- وترتب على الوحدانية أن كلّ ما سوى الله في السموات والأرض فهو مملوك له، لأنه مخلوق منه، متكون موجود به، فلا يكون الدين، أي الطاعة والإخلاص لله دائما، ولا يتقى غير الله تعالى.
٤- جميع النعم من الله تعالى، سواء المادية كالرّزق والسّلامة والصّحة، أو المعنوية كالأمان والجاه والمنصب ونحوها.
٥- لا يجد الإنسان ملجأ لكشف الضّرّ عنه في وقت الشدائد والكروب إلا الله تعالى، فيضجّ بالدّعاء إليه، لعلمه أنه لا يقدر أحد على إزالة الكرب سواه.
٦- التعجيب من حال الإنسان بعد إزالة البلاء وبعد الجؤار (رفع الصوت والتضرع بالدّعاء إلى الله) فهو يعود إلى الإشراك بعد النجاة من الهلاك. وهذا المعنى مكرر في القرآن الكريم. وقد أشركوا ليجحدوا، فاللام لام كي، وقيل:
لام العاقبة.
٧- تهديد هؤلاء الكفار بالتمتع بمتاع الحياة الدّنيا، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم.
٨- هناك نوع آخر من جهالات المشركين، وهو أنهم يجعلون لما لا يعلمون أنه جماد يضرّ وينفع، وهي الأصنام، شيئا من أموالهم يتقرّبون به إليه. فيكون ضمير يَعْلَمُونَ عائدا للمشركين، وقيل: إنه عائد للأوثان، أي ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعلم شيئا نصيبا.

صفحة رقم 160

ولكن الله عزّ وجلّ يسألهم سؤال توبيخ عن افترائهم واختلاقهم الكذب على الله أنه أمرهم بهذا.
٩- ومن جهالاتهم نسبة البنات إلى الله تعالى، ونسبة البنين لأنفسهم وأنفتهم من البنات.
١٠- ومن جهالاتهم تغيّر وجوههم حزنا وغمّا بالبنت، واختفاء الواحد منهم وتغيبه عن مواجهة القوم من شدّة الحزن وسوء الخزي والعار والحياء الذي يلحقه بسبب البنت. وكان بعض العرب يدفنون بناتهم أحياء في التراب، مثل خزاعة وكنانة، قال قتادة: كان مضر وخزاعة يدفنون البنات أحياء، وأشدّهم في هذا تميم. زعموا خوف الفقر عليهم وطمع غير الأكفاء فيهنّ.
وقد حرم الإسلام الوأد، وأوجب الإحسان إلى البنات،
روى مسلم في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهنّ، كنّ له سترا من النّار»
ففي الصّبر عليهنّ والإحسان إليهنّ ما يقي من النّار.
وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو»
وضمّ أصابعه.
وروى أبو يعلى الحافظ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له بنت فأدّبها، فأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، كانت له سترا أو حجابا من النّار».
١١- بئس ما حكم به أهل الجاهلية من إضافة البنات إلى خالقهم وإضافة البنين إليهم، وقد استاؤوا من البنات أشدّ الاستياء لأن الواحد منهم يسودّ وجهه بولادة البنت، ويختفي عن القوم من شدّة نفوره من البنت، ويقدم على قتلها.

صفحة رقم 161

١٢- لهؤلاء الواصفين لله البنات مثل السّوء، أي صفة السّوء من الجهل والكفر، ولله المثل الأعلى أي الوصف الأعلى من الإخلاص والتوحيد، ووصفه بما لا شبيه له ولا نظير، جلّ الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّا كبيرا.
١٣- من فضل الله ورحمته وكرمه أنه يمهل هؤلاء الكفار ولا يعاجلهم بالعقوبة، ليترك الفرصة لهم للإيمان والتوبة. قال ابن مسعود وقرأ هذه الآية:
لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين، لأصاب العذاب جميع الخلق، حتى الجعلان في حجرها، ولأمسك الأمطار من السماء، والنبات من الأرض، فمات الدّواب، ولكن الله يأخذ بالعفو والفضل كما قال: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [المائدة ٥/ ١٥]، وقال: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ، لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف ١٨/ ٥٨].
١٤- إن أجل موت الإنسان ومنتهى عمره لا يتقدّم ولا يتأخّر ساعة واحدة أو لحظة واحدة.
وتعميم الهلاك مع أن في الناس مؤمنين ليسوا بظلمة، بجعل هلاك الظالم انتقاما وجزاء، وهلاك المؤمن معوّضا بثواب الآخرة.
جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أراد الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نيّاتهم» أو «على أعمالهم».
١٥- ينسب المشركون لله البنات، وتقول ألسنتهم الكذب أن لهم الجزاء الحسن، والحق أن لهم النار، وأنهم متركون منسيّون في النّار، أو معجّلون إلى النار، مقدّمون إليها.

صفحة رقم 162
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية