آيات من القرآن الكريم

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

[الْأَنْبِيَاءِ: ٨] وَقَالَ: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَافِ: ٩] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الْكَهْفِ: ١١٠].
ثُمَّ أَرْشَدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الرُّسُلِ كَانُوا بَشَرًا إِلَى سُؤَالِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ سَلَفُوا هَلْ كَانَ أَنْبِيَاؤُهُمْ بَشَرًا أَوْ مَلَائِكَةً، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أرسلهم بِالْبَيِّناتِ أي بالحجج والدلائل وَالزُّبُرِ وَهِيَ الْكُتُبُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ، وَالزُّبُرُ جَمْعُ زَبُورٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: زَبَرْتُ الْكِتَابَ إِذَا كَتَبْتُهُ. وَقَالَ تَعَالَى: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ [الْقَمَرِ: ٥٢] وَقَالَ وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠٥] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ يَعْنِي الْقُرْآنَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ أي من ربهم لعلمك بمعنى ما أنزل الله وَحِرْصِكَ عَلَيْهِ وَاتِّبَاعِكَ لَهُ، وَلِعِلْمِنَا بِأَنَّكَ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، فَتُفَصِّلَ لَهُمْ مَا أُجْمِلَ وَتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا أُشْكِلَ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أَيْ يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَهْتَدُونَ فَيَفُوزُونَ بِالنَّجَاةِ فِي الدارين.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧)
يخبر تعالى عن حلمه وَإِنْظَارِهِ الْعُصَاةَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا، وَيَمْكُرُونَ بِالنَّاسِ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَيْهَا، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، أَيْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ مَجِيئَهُ إليهم، كقوله تَعَالَى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الْمُلْكِ: ١٦- ١٧] وَقَوْلُهُ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ أَيْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فِي الْمَعَايِشِ واشتغالهم بها في أسفارهم وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَشْغَالِ الْمُلْهِيَةِ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: تقلبهم أي أسفارهم، وقال مجاهد والضحاك وقتادة فِي تَقَلُّبِهِمْ في الليل والنهار كقوله أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ.
وَقَوْلُهُ: فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَيْ لَا يُعْجِزُونَ اللَّهَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ أَيْ أَوْ يَأْخُذَهُمُ اللَّهُ فِي حَالِ خَوْفِهِمْ مِنْ أَخْذِهِ لَهُمْ، فإنه يكون أبلغ وأشد، فَإِنَّ حُصُولَ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَ الْخَوْفِ شَدِيدٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ يَقُولُ: إِنْ شِئْتُ أَخَذْتُهُ عَلَى أَثَرِ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَتَخَوُّفِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ قال تعالى: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ أَيْ حَيْثُ لَمْ يُعَاجِلْكُمْ بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ

صفحة رقم 493
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية