آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈ

يعني: الأصنام، أي: لو شاء ما أشركنا ولا حرَّمنا من دونه من شيء من البَحِيرَة، والسائبة، والوصيلة، والحَامِ، والحرث، وذلك أنه لمّا نزل: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «١» قالوا هذا، على سبيل الاستهزاء، لا على سبيل الاعتقاد، وقيل: معنى كلامهم: لو لم يأمرنا بهذا ويُرِدْهُ منّا، لم نأته.
قوله تعالى: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
أي: من تكذيب الرسل وتحريم ما أحل الله، فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعني: ليس عليهم إِلاّ التبليغ، فأما الهداية، فهي إِلى الله تعالى، وبيَّن ذلك بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أي: كما بعثناك في هؤلاء أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي: وحِّدوه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وهو الشيطان فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ أي: أرشده وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ أي: وجبت في سابق علم الله، فأعلم الله عزّ وجلّ أنه إِنما بعث الرسل بالأمر بالعبادة، وهو من وراء الإِضلال والهداية، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي: معتبرين بآثار الأمم المكذبة، ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي، فقال: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ أي: إِن تطلب هداهم بجهدك فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، «لا يُهدَى» برفع الياء وفتح الدال، والمعنى: من أضله، فلا هادي له، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «يَهْدِي» بفتح الياء وكسر الدال، ولم يختلفوا في «يُضِل» أنها بضم الياء وكسر الضاد، وهذه القراءة تحتمل معنيين، ذكرهما ابن الأنباري: أحداهما: لا يهدي من طَبَعَهُ ضَالاًّ، وخَلَقَهُ شقيّاً. والثاني: لا يهدي، أي: لا يهتدي من أضله، أي: مَنْ أضله الله لا يهتدي، فيكون معنى يهدي: يهتدي، تقول العرب: قد هدى فلان الطّريق، يريدون: اهتدى.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٨ الى ٤٢]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)
قوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ.
(٨٥٨) سبب نزولها أن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المشركين دَين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلَّم به: والذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: وإِنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت؟! فأقسم بالله لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، فنزلت هذه الآية، قاله أبو العالية.
وجَهْدَ أَيْمانِهِمْ مفسر في المائدة «٢». وقوله: بَلى رَدٌّ عليهم، قال الفراء: والمعنى:
بَلى ليبعثنَّهم وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا.
قوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ قال الزجاج: يجوز أن يكون متعلّقا بالبعث، فيكون

ضعيف. أخرجه الطبري ٢١٥٨٧ عن أبي العالية مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.
__________
(١) الدهر: ٣٠.
(٢) عند الآية: ٥٣.

صفحة رقم 559

المعنى: بلى يَبعثهم فيبين لهم، ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ليُبيِّنَ لهم. وللمفسرين في قوله لِيُبَيِّنَ لَهُمُ قولان: أحدهما: أنهم جميع الناس، قاله قتادة. والثاني:
أنهم المشركون، يبين لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين فيه.
قوله تعالى: أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ أي: فيما أقسموا عليه من نفي البعث. ثم أخبر بقدرته على البعث بقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة «فيكونُ» رفعاً، وكذلك في كل القرآن. وقرأ ابن عامر، والكسائي «فيكونَ» نصباً. قال مكي بن إِبراهيم: من رفع، قطعه عمَّا قبله، والمعنى: فهو يكون، ومن نصب، عطفه على «يقول»، وهذا مثل قوله: وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وقد فسرناه في البقرة «١». فإن قيل: كيف سمي الشيء قبل وجوده شيئاً؟. فالجواب: أن الشيء وقع على المعلوم عند الله قبل الخلق، لأنه بمنزلة ما قد عُوِينَ وشَوهِدَ.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
(٨٥٩) أحدها: أنها نزلت في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلالٍ، وعمار، وصهيب، وخبَّاب بن الأرتِّ، وعايش وجبر مَولَيان لقريش، أخذهم أهل مكة فجعلوا يُعذِّبونهم، ليردُّوهم عن الإِسلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو، قاله داود بن أبي هند.
والثالث: أنهم جميع المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة. ومعنى (هاجروا في الله)، أي: في طلب رضاه وثوابه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا بما نال المشركون منهم، لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفيها خمسة أقوال «٢» : أحدها: لنزلنّهم المدينة، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والشعبي، وقتادة، فيكون المعنى: لَنُبَوِّئنَّهم داراً حسنة وبلدة حسنة. والثاني: لنرزقنَّهم في الدنيا الرزق الحسن، قاله مجاهد. والثالث: النصر على العدوِّ، قاله الضحاك. والرابع: أنه ما بقي بعدهم من الثناء الحسن، وصار لأولادهم من الشرف، ذكره الماوردي، وقد روي معناه عن مجاهد، فروى عنه ابن أبي نجيح أنه قال: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً قال: لسان صادق. والخامس: أن المعنى: لنحسِنَنَّ إِليهم في الدنيا، قال بعض أهل المعاني: فتكون على هذه الأقوال «لنبوّئنهم»، على سبيل الاستعارة، إِلا على القول الأول.
قوله تعالى: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ قال ابن عباس: يعني: الجنة، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يعني:
أهل مكة. ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان إِذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه،

عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وتقدم الكلام على هذه الرواية مرارا، فهو لا شيء.
__________
(١) عند الآية: ١١٧.
(٢) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ٥٨٦: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال معنى لَنُبَوِّئَنَّهُمْ:
لنحلنهم ولنسكننهم، لأن التبوء في كلام العرب الحلول بالمكان والنزول به، ومنه قول الله تعالى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ- يونس: ٩٣-.

صفحة رقم 560
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية