
فمعنى قوله تعالى:
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ..﴾ [النحل: ٣٩]. أي: من أمر البعث؛ لأن القضية لا تستقيم بدون البعث والجزاء؛ ولذلك كنت في جدالي للشيوعيين أقول لهم: لقد أدركتم رأسماليين شرسين ومفترين، شربوا دم الناس وعملوا كذا وكذا.. فماذا فعلتُم بهم؟ يقولون: فعلنا بهم كيت وكيت، فقلت: ومن قبل وجود الشيوعية سنة ١٩١٧، ألم يكن هناك ظلمة مثل هؤلاء؟ قالوا: بلى.
قلت: إذن من مصلحتكم أن يوجد بعث وحساب وعقاب لا يفلت منه هؤلاء الذين سبقوكم، ولم تستطيعوا تعذيبهم.
ثم يأتي فَصْل الخطاب في قوله تعالى:
﴿وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ﴾ [النحل: ٣٩]. أي: كاذبين في قولهم: ﴿لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ... ﴾ [النحل: ٣٨].
وذلك علم يقين ومعاينة، ولكن بعد فوات الأوان، فالوقت وقت حساب وجزاء لا ينفع فيه الاعتراف ولا يُجدي التصديق، فالآن يعترفون بأنهم كانوا كاذبين في قَسَمهم: لا يبعث الله مَنْ يموت وبالغوا في الأَيمان وأكَّدوها؛ ولذلك يقول تعالى عنهم في آية أخرى:

﴿وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم﴾ [الواقعة: ٤٦].
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ... ﴾.