
وجعله تعالى إياها أسبابا لهلاكهم بحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين فضعضعت تلك الأساطين، فسقط عليهم السقف، فهلكوا. فهو مثل ضربه الله تعالى لمن مكر
بآخر فأهلكه الله بمكره ومنه المثل السائر على ألسنة الناس من حفر لأخيه قليبا وقع فيه قريبا. وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) أي إنهم اعتمدوا على منصوباتهم ثم تولد البلاء منها بأعيانها فهؤلاء الماكرون القائلون: إن القرآن أساطير الأولين سيأتيهم العذاب العاجل من جهة لا تخطر ببالهم مثل ما أتاهم ثُمَّ الله تعالى يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ أي يذل الكفار بعذاب وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ أي يقول الله لهم تفضيحا أين شركائي في زعمكم الذين كنتم تخاصمون الأنبياء والمؤمنين في شأن الشركاء حين بينوا لكم بطلانها. وقرأ نافع «تشاقون» بكسر النون قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي يقول المؤمنون الذين أوتوا علما بدلائل التوحيد حين يرون خزي الكفار وهم في الموقف: إِنَّ الْخِزْيَ أي الفضيحة الْيَوْمَ وَالسُّوءَ أي العذاب عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أي عزرائيل وأعوانه ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي مستمرين على الكفار فإنهم ظلموا أنفسهم حيث عرضوها للعذاب المخلد. وقرأ حمزة «يتوفاهم» بالياء مع الإمالة في الموضعين فَأَلْقَوُا السَّلَمَ أي أسلموا وأقروا لله بالعبودية عند الموت قائلين: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ أي شرك في زعمنا فتقول الملائكة بَلى كنتم تعملون أعظم الشرك إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) من الشرك فلا فائدة لكم في إنكاركم فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ أي ليدخل كل صنف من الكفرة في طبقة هو موعود بها. والمراد دخولهم فيها في وقته فإن ذلك تخويف عظيم وإن تراخى المخوف به لا دخول القبر الذي هو حفرة من حفر النيران خالِدِينَ فِيها أي دركات جهنم لا يخرجون منها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) عن قبول التوحيد وسائر ما أتت به الأنبياء وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أي خافوا الشرك وأيقنوا أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً أي أنزل خيرا.
قال المفسرون: كان في أيام الموسم يأتي الرجل مكة فيسأل المشركين عن محمد وأمره فيقولون: إنه ساحر وكاهن وكذاب. فيأتي المؤمنين ويسألهم عن محمد وما أنزل الله عليه.
فيقولون خيرا. أي أنزل خيرا والذي قالوه من الجواب موصوف بأنه خير لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي قالوا: لا إله إلا الله مع الاعتقاد الحق فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ أي ثناء ورفعة وتعظيم، وهذه الجملة بدل من قوله: خيرا أو تفسيرا له وذلك أن الخير هو الوحي الذي أنزل الله تعالى فيه قوله من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة وقوله تعالى: «في هذه الدنيا» متعلق بقوله: «حسنة». وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مما حصل لهم في الدنيا، وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) والمخصوص بالمدح إما محذوف تقديره دار الآخرة أو هي دار الدنيا، لأن المتقين يتزودون فيها للآخرة
وأما قوله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ وهذه تدل على القصور والبساتين وعلى الدوام

يَدْخُلُونَها يوم القيامة صفة لجنات أو حال تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي أنهار الخمر والماء والعسل واللبن وهذه تدل على أن هناك أبنية يرتفعون عليها وتكون الأنهار جارية من تحتهم لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ من أنواع المشتهيات والمتمنيات وهذه الكلمة تدل على حصول كل الخيرات والسعادات كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء الأوفى يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) أي كل من يتقى من الشرك والمعاصي الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أي قبضتهم طَيِّبِينَ أي طاهرين من الكفر مبرئين عن العلائق الجسمانية متوجهين إلى حضرة القدس فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها ومن هذا حاله لا يتألم بالموت يَقُولُونَ أي الملائكة عند الموت وهذه حال من الملائكة وطيبين حال من المفعول سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي لا يلحقكم مكروه. وعن محمد بن كعب القرظي قال: إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال: السلام عليك يا ولي الله الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بالجنة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أي جنات عدن وهي خاصة لكم كأنكم فيها، والمراد دخولهم فيها في وقته فإن ذلك بشارة عظيمة، وإن تراخى المبشر به لا دخول القبر الذي هو روضة من رياض الجنة فإن الملائكة لما بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم وكأنهم فيها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) أي بسبب ثباتكم على التقوى والطاعة
هلْ يَنْظُرُونَ أي ما ينتظر الكفار الذين طعنوا في القرآن وأنكروا النبوة
إلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ لقبض أرواحهم بالتهديد
أوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ أي عذاب ربك في الدنيا بهلاكهم
كذلِكَ أي مثل فعل هؤلاء من الشرك والتكذيب والاستهزاء
فعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم فأصابهم العذاب المعجل
وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ بذلك فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم
ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) بأن كذبوا الرسل فاستحقوا ما نزل بهم
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا أي عقاب سيئات أعمالهم
وَحاقَ أي وأحاط بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) أي عقاب استهزائهم من جوانبهم
وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أي من أهل مكة للرسول صلّى الله عليه وسلّم تكذيبا له وطعنا في الرسالة لَوْ شاءَ اللَّهُ عدم عبادتنا لشيء غيره ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا الذين نقتدي بهم في ديننا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ من البحيرة والسائبة، والوصيلة والحامي وإشراكنا بالله الأوثان، وتحريمنا الأنعام، والحرث بمشيئته تعالى فهو راض بذلك، وحينئذ فلا فائدة في مجيئك إلينا بالأمر والنهي وفي إرسالك كَذلِكَ أي مثل ذلك الفعل الشنيع فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله، وجادلوهم بالباطل حين نهوهم عن الخطأ، وهدوهم إلى الحق فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) أي ليست وظيفة الرسل إلا تبليغ الرسالة تبليغا واضحا فهو واجب عليهم، وأما حصول الإيمان فلا يتعلق بالرسول وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ من الأمم السالفة رَسُولًا خاصا بهم كما بعثناك إلى قومك أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحدوه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ أي اجتنبوا عبادة ما تعبدون من دون الله، أو اجتنبوا طاعة الشيطان