
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم﴾ فَإِن قيل: قد قَالَ من قبل: ﴿وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين﴾ بِالرَّفْع وَقَالَ هَا هُنَا: ﴿مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا﴾ بِالنّصب، فَكيف وَجه الْآيَتَيْنِ؟
وَالْجَوَاب: أَن معنى قَوْله: ﴿أساطير الْأَوَّلين﴾ أَي: الْمنزل أساطير الْأَوَّلين، وَقَوله: ﴿قَالُوا خيرا﴾ مَعْنَاهُ: أنزل رَبنَا خيرا. وَقَوله: ﴿للَّذين أَحْسنُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ إحسانهم هُوَ قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَقَوله: ﴿حَسَنَة﴾ اخْتلف القَوْل فِيهَا:
قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ تَضْعِيف الْأجر إِلَى الْعشْر فَمَا زَاد، وَقَالَ الضَّحَّاك: الْحَسَنَة هُوَ النَّصْر وَالْفَتْح، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الرزق الْحسن، وَقَالَ غَيره: مَا فتح الله على الْمُسلمين من الْبلدَانِ، وأفاء عَلَيْهِم من الْغَنَائِم.
وَقَوله: ﴿ولدار الْآخِرَة خير﴾ مَعْنَاهُ: ولحال دَار الْآخِرَة خير.
وَقَوله: ﴿ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد [مِنْهَا] الْجنَّة، وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: هِيَ الدُّنْيَا، وَالدُّنْيَا دَار الْمُتَّقِينَ، وَمِنْهَا يتزود إِلَى الْآخِرَة، [و] فِيهَا يطْلب رضَا الله تَعَالَى، وَرُوِيَ عَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ إِذا فرق العطايا بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قَالَ: هَذَا لكم فِي الدُّنْيَا وَمَا ادخر الله لكم فِي الْآخِرَة.

﴿من تحتهَا الْأَنْهَار لَهُم فِيهَا مَا يشاءون كَذَلِك يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (٣٢) هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة أَو يَأْتِي أَمر رَبك كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم وَمَا ظلمهم الله وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ (٣٣) فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا عمِلُوا وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ﴾
صفحة رقم 170