
قوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد﴾ إلى قوله ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾.
المعنى: قد مكر الذين كانوا قبل هؤلاء المشركين: يعني الذين أرادوا الارتقاء إلى السماء بالنسرين لحرب من فيها. وقد مضى ذكر ذلك في إبراهيم أنّه نمرود بن كنعان تجبر إذ ملك الأرض.
قال مجاهد: ملك الأرض، شرقها وغربها، أربعة: مؤمنان وكافران. فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان، والكافران نمرود بن كنعان وبختنصر، وقيل هو نخ تنِصْرٍ. ونذكرها هنا قول السدي في ذلك وما روى فيه، قال السدي: أمر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم، فأخرج من مدينته، فلما خرج لقي لوطاً على باب المدينة فدعاه فآمن به، وقال: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي﴾ [العنكبوت: ٢٦] وحلف نمرود ليطلبن إله إبراهيم. فذهب فأخذ أربعة أفراخ من النسور، فرباها باللحم والخمر، حتى إذا كبرن، وغلظن، واستعجلن، قرنهن بتابوت، وقعد في ذلك التابوت. ثم رفع رجلاً من

لحم لهن، فطرن به حتى ذهبن في السماء. فأشرف ينظر إلى الأرض. فرأى الجبال تدب كدبيب النمل. ثم رفع لهن اللحم، ثم نظر فرأى الأرض محيطاً بها بحر كأنها فلكه في ماء. ثم رفع طويلاً فوقع في ظلمة / فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته. ففزع فألقى اللحم / فاتبعه منقضات. فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وتسمعن حفيفهن، فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها، ولم تزل. وذلك قوله ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال﴾ [إبراهيم: ٤٦]. وكان إذا طرن به من بيت المقدس ووقوعهن به على جبل الدخان، فلما رأى أنه لا يطيق شيئاً أخذ في بنيان الصرح. فبنى حتى أسند به إلى السماء، وارتقى فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم فأحدث ولم يكن وقت حدثه. وأخذ الله بنيانه من القواعد
صفحة رقم 3976
﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي: من مأمنهم. فلما سقط تبلبلت ألسن الناس يومئذٍ من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً فلذلك سميت بابل وإنما كان لسان الناس قبل بالسريانية.
قال ابن عباس في: ﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد﴾ وهو نمرود حين بنى الصرح. قال زيد بن أسلم: أول جبار كان في الأرض نمرود فبعث الله بعوضة فدخلت منخره فمكث أربع مائة سنة [يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه بالمطارق، وكان جباراً أربع ماشة سنة] فعذبه الله [ تعالى] في الدنيا أربع مائة سنة كملكه. ثم أماته الله [ تعالى] وهو الذي بنى صرحاً. وهو

الذي أتى الله بنيانه من القواعد.
وقيل: معنى ﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد﴾ استأصلهم بالهلاك.
وقيل: هو مثل لأعمالهم التي أحبطها الله. كأن [أعمالهم] التي عملوها حبطت بمنزلة [بناء] سقط من قواعده.
ومعنى: ﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد﴾ أي: أتى أمر الله بنيانهم.
ومعنى ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ﴾: خرت عليهم [أعالي البيوت] فهلكوا. وقال ابن عباس: معناه أتاهم العذاب من السماء. ومعنى ﴿مِن فَوْقِهِمْ﴾: توكيد أنهم تحته، لأنه قد يقال: سقط على منزل كذا، إذا كان يملكه. فقال ﴿مِن فَوْقِهِمْ﴾ ليزول

هذا المعنى منه.
وروي أن نمرود بن كنعان بنى بناء ليصل به السماء فبعث الله ريحاً فهدمته، ويقال: إن من يومئذٍ لم تدع الريح بناء على وجه الأرض يكون ارتفاعه أكثر من ثمانين ذراعاً إلا هدمته.
ثم قال [تعالى]: ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ﴾.
أي: ثم يذلهم يوم القيامة مع ما فعل بهم في الدنيا.
ويقول لهم: ﴿أَيْنَ شُرَكَآئِيَ﴾ الذين زعمتم في الدنيا أنهم شركائي فما لهم لا ينقذونكم من العذاب. وقال ابن عباس ﴿كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ﴾: تخالفون فيهم. وقيل معناه: تحاربون. وأصله من شاققت فلاناً، إذا فعل كل واحد منهما بصاحبه ما يشق عليه.

ثم قال تعالى: ﴿قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم﴾ أي: الذل والهوان ﴿عَلَى الكافرين * الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [أي]: وهم على كفرهم. وقيل: عنى بذلك من قتل ببدر من قريش. وقد أخرج إليها كرهاً، قاله: عكرمة.
ثم قال / ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء﴾ أي: قالوا ما كنا نعمل من سوء. وأخبر الله [ تعالى] عنهم: أنهم كذبوا، وقالوا: ما كنا نعصي الله في الدنيا، فكذبهم الله، وقال: ﴿بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ﴾ أي: بلى عملتم السوء، إن الله عليم بعملكم.
ومعنى: ﴿فَأَلْقَوُاْ السلم﴾ أي: الاستسلام لأمر الله [ تعالى] لما عاينوا الموت. وقيل معناه: ألقوا الصلح لأنه قد تقدم ذكر المشاقة، وبإزاء المشاقة - وهي العداوة - الصلح.
ثم قال [تعالى] ﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: طبقاتها ماكثين فيها.