آيات من القرآن الكريم

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

الأحد الفرد الصّمد، المعبود الواحد الذي لا ربّ غيره، ولا معبود سواه.
أما المشركون الذين لا يؤمنون بالآخرة فلا يقبلون الوعظ ولا التّذكير، ولو آمنوا بالآخرة حقّا لآمنوا بوحدانية الله، ولكنهم قوم متكبّرون متعظمون عن قبول الحقّ.
والله حقّا يعلم ما يسرّون من القول والعمل وما يعلنون، فيجازيهم على أفعالهم، إنه لا يحبّ المستكبرين أبدا، أي لا يثيبهم ولا يثني عليهم.
صفات المستكبرين إنكار المشركين الوحي المنزّل والنّبوة وجزاؤهم
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٤ الى ٢٩]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)

صفحة رقم 110

الإعراب:
ماذا أَنْزَلَ.. ما اسم استفهام مبتدأ، وإِذا خبره، وأَنْزَلَ رَبُّكُمْ:
صلته، والعائد محذوف تقديره: أنزله، فحذف تخفيفا. ولما كان السؤال مرفوعا رفع أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ على تقدير مبتدأ محذوف، أي هو أساطير الأولين. وأما قوله الآتي: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا: خَيْراً فالجواب منصوب لأن السؤال منصوب، لأن ماذا بمنزلة كلمة واحدة، أي أيّ شيء أنزل ربّكم، وهي في موضع نصب ب أَنْزَلَ. بِغَيْرِ عِلْمٍ حال. ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ حال أيضا.
البلاغة:
فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ استعارة تمثيلية، شبّه حال الماكرين بحال قوم بنوا بنيانا ثم انهدم عليهم وأهلكهم، ووجه الشّبه أنّ ما ظنّوه سببا لحمايتهم، كان سببا في فنائهم.
المفردات اللغوية:
أَنْزَلَ رَبُّكُمْ على محمد. أَساطِيرُ أكاذيب وأباطيل وترّهات. الْأَوَّلِينَ الغابرين القدماء، قالوا ذلك إضلالا للناس، وقد نزلت الآية في النّضر بن الحارث، لِيَحْمِلُوا في عاقبة أمرهم. أَوْزارَهُمْ ذنوبهم. كامِلَةً لم يكفّر منها شيء. وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ.. أي وبعض أوزار من يضلونهم لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتّبعوهم، فاشتركوا في الإثم لتسببهم في إضلالهم، والأصح أن مِنْ للجنس لا للتبعيض، أي فعليهم مثل أوزار تابعيهم.
ساءَ بئس. ما يَزِرُونَ يحملونه حملهم هذا.
بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من المفعول، أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلّال، أو حال من الفاعل أي وهم جاهلون. لِيَحْمِلُوا اللام لام الصيرورة لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير الأولين، لأجل أن يحملوا الأوزار، ولكن لمّا كان عاقبتهم ذلك حسن ذكر هذه اللام.
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وهو نمروذ بن كنعان، بنى صرحا طويلا ببابل، سمكه خمسة آلاف ذراع، ليصعد منه إلى السماء، ليقاتل أهلها. والمكر: صرف غيرك عما يريده بحيلة، ويراد به هنا مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات. والمقصود بالآية: المبالغة في وصف وعيد أولئك الكفار. فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ أهلكه وأفناه، فأرسل عليه الريح والزلزلة، فهدمته من الأساس، كما يقال: أتى عليه الدهر، وفَأَتَى: قصد، والْقَواعِدِ: الدعائم، جمع قاعدة.
فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ أي وهم تحته، وفَخَرَّ: سقط. وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ من جهة لا تخطر ببالهم، أي من جهة لا يحتسبون ولا يتوقّعون. وقيل: هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه من المكر بالرّسل.

صفحة رقم 111

يُخْزِيهِمْ يذلّهم أو يعذّبهم بالنار لقوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران ٣/ ١٩٢]. وَيَقُولُ: أَيْنَ شُرَكائِيَ أي ويقول الله لهم على لسان الملائكة توبيخا: أين شركائي بزعمكم؟ تُشَاقُّونَ تعادون المؤمنين وتنازعون الأنبياء في شأنهم. قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي ويقول الأنبياء والمؤمنون العلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد، فيشاقونهم ويتكبرون عليهم، أو يقول الملائكة: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ الذلّة والعذاب على الكافرين، وفائدة قولهم: إظهار الشماتة بهم وزيادة الإهانة، وإيراده بقصد وعظ من سمعه.
ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بالكفر. فَأَلْقَوُا السَّلَمَ: السَّلَمَ: الاستسلام والخضوع، والمعنى: انقادوا واستسلموا عند الموت، وأقرّوا لله بالرّبوبية، أو سالموا حين عاينوا الموت. ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ أي قائلين: ما كنّا نعمل من كفران أو شرك، وعدوان. بَلى نعم، أي فتجيبهم الملائكة إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فهو يجازيكم عليه. فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ أي ليدخل كلّ صنف بابه المعدّ له. وقيل: أَبْوابَ جَهَنَّمَ أصناف عذابها. مَثْوَى مأوى، والمثوى: مكان الإقامة.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى أدلّة التوحيد وأدلة بطلان عبادة الأصنام، أعقب ذلك ببيان شبهات منكري النّبوة، وأولها الطعن في القرآن الذي احتج النّبي صلّى الله عليه وسلّم على صحة نبوّته بأنه معجزة، فقالوا: أساطير الأولين، وليس هو من جنس المعجزات، فأهلكهم الله في الدّنيا، وسيعاقبهم في الآخرة بما فعلوا، فيقولون مستسلمين حين رؤية العذاب: ما كنّا نعمل من سوء، أي كفر وشرك وعدوان.
التفسير والبيان:
تذكر هذه الآيات شبهات منكري النّبوة التي هي صفات المكذّبين المستكبرين.
الشّبهة الأولى «١» - طعنهم في القرآن بأنه أساطير الأولين: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ..

(١) الشبهة الثانية ستأتي في الآية (٣٣)، والشبهة الثالثة في الآية (٣٥)، والشبهة الرابعة في الآية (٣٨).

صفحة رقم 112

لما احتجّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صحّة نبوّته بكون القرآن معجزة، طعنوا في القرآن، وقالوا: إنه أساطير الأولين، وليس هو من جنس المعجزات.
ومعنى الآية: وإذا قيل لهؤلاء المستكبرين المكذّبين الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين: أي شيء أنزل ربّكم؟ قالوا معرضين عن الجواب: لم ينزل شيئا، إنما هذا الكلام الذي يتلى علينا أساطير أي أكاذيب وخرافات مأخوذة من كتب المتقدمين، كما حكى تعالى عنهم في آية أخرى: وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان ٢٥/ ٥] أي يفترون على الرّسول بأقوال متضادّة مختلفة باطلة.
والسائل: إما واحد من المسلمين أو من كلام بعضهم لبعض أو النّضر بن الحارث أو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة، ينفّرون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سألهم وفود الحجيج عما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
هذا عن القرآن، أما عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم فكانوا يقولون: ساحر وشاعر وكاهن ومجنون، ثم استقرّ أمرهم على ما اختلقه زعيمهم الوليد بن المغيرة المخزومي، الذي حكى عنه القرآن قراره: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقالَ: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر ٧٤/ ١٨- ٢٤]، أي ينقل ويحكى، فتفرقوا متفقين على قوله.
ثم أبان تعالى مصير قولهم: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً.. هذه لام العاقبة أو الصيرورة، مثل: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص ٢٨/ ٨].
والمعنى: إنما قالوا ذلك ليتحملوا أوزارهم وآثامهم كاملة يوم القيامة وأوزار الذين يتبعونهم جهلا بغير علم فلا يعلمون أنهم ضلّال، واقتداء بهم في الضّلال، أي

صفحة رقم 113

ليصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم، واقتدائهم بهم.
والمراد بقوله تعالى: كامِلَةً أنه لا ينقص منها شيء. وقوله تعالى: بِغَيْرِ عِلْمٍ على رأي الزّمخشري: حال من المفعول، أي يضلّون من لا يعلم أنهم ضلال، وعلى رأي الرّازي: حال من الفاعل، أي إن هؤلاء الرؤساء يضلّون غيرهم جهلا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال.
أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ أي بئس شيئا يحملونه من الذنب ذلك الذي يفعلون.
ونظير الآية: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت ٢٩/ ١٣].
وأوضحت السّنة سبب تحملهم آثام من قلّدوهم،
فقال صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السّنن الأربعة عن أبي هريرة-: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا».
ثم أبان الله تعالى وجود الشّبه بين الكفار القدامى والجدد في الجرم والعقاب فقال: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.. أي قد كاد لدين الله ورسله من تقدّمهم من الأمم، واحتالوا بمختلف الوسائل لإطفاء نور الله فأهلكهم الله تعالى في الدّنيا، بأن دمّر مبانيهم من قواعدها، وسقط عليهم السّقف من فوقهم، وأبطل كيدهم، وأحبط أعمالهم، وأطبق عليهم العذاب من كلّ جانب، ومن حيث لا يحسّون بمجيئه ولا يتوقّعون، فاعتبروا يا أهل مكة وأمثالكم. وهذا كله تمثيل لصورة العذاب، ومضمونه إهلاكهم من الله تعالى.
وسبب قوله: مِنْ فَوْقِهِمْ مع أن السّقف لا يكون إلا من فوق هو

صفحة رقم 114

تأكيد سقوط السقف، وشدّة إطباق العذاب وسقوطه عليهم وهم تحته.
ومعنى إتيان الله: إتيان أمره. وقوله تعالى: مِنَ الْقَواعِدِ أي من جهة القواعد أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم، وهذا مقابل لقوله تعالى: مِنْ فَوْقِهِمْ ليفيد إحاطة العذاب من أعلى ومن أسفل. وقوله تعالى: مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أي من حيث لا يحتسبون ولا يتوقّعون.
وأكثر المفسّرين على أن المراد بقوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ.. هو نمروذ بن كنعان، بنى صرحا عظيما ببابل طوله خمسة آلاف ذراع.
هذا عذابهم في الدّنيا، وأما في الآخرة فهو ما قاله تعالى:
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ.. أي وفي يوم القيامة يخزيهم، أي يظهر فضائحهم وما تخبئه نفوسهم فيجعله علانية، ويذلّهم بعذاب الخزي، كما قال تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران ٣/ ١٩٢].
ويقول لهم الرّبّ تبارك وتعالى بواسطة الملائكة تقريعا لهم وتوبيخا: أين شركائي في زعمكم واعتقادكم؟ أين آلهتكم التي عبدتموها من دوني؟ أين تلك الآلهة التي كنتم تشاقون أي تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم؟ أحضروهم ليدفعوا عنكم العذاب: هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [الشّعراء ٢٦/ ٩٣]، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ [الطارق ٨٦/ ١٠].
فلا يجيب أحد، ويسكتون عن الاعتذار، وتظهر عليهم الحجة الدامغة، ويتبين أنه لا شركاء ولا وجود لهم.
ثم ذكر الله تعالى مقال الذين أوتوا العلم من الملائكة والأنبياء والمؤمنين، وهم سادة الدّنيا والآخرة، والمخبرون عن الحقّ: قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ..
أي قال العلماء المقرّون بالتوحيد: إن الذّلّ والفضيحة والعذاب والهوان محيط

صفحة رقم 115

اليوم بالكافرين الذين كفروا بالله، وأشركوا به ما لا يضرّهم ولا ينفعهم.
وهؤلاء هم الذين بقوا على كفرهم حتى الموت، فتتوفاهم الملائكة وتقبض أرواحهم، حالة كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والمعاصي والتعريض للعذاب.
وكانت حالهم أيضا: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ.. أي فلما حضرهم الموت وعاينوا العذاب، أظهروا السمع والطاعة والانقياد، قائلين: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ أي ما كنّا مشركين بربّنا أحدا، كما حكى تعالى عنهم يوم المعاد: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام ٦/ ٢٣].
فكذّبهم الله في قولهم: بَلى، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ.. أي لقد عملتم السّوء كله وأعظمه وأقبحه، والله عليم بأعمالكم، فلا فائدة في إنكاركم والله يجازيكم على أفعالكم.
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ.. أي فادخلوا في جهنم، وذوقوا عذاب إشراككم بربّكم وعقاب معاصيكم، وأنتم خالدون ماكثون فيها إلى الأبد، وبئس المقرّ والمقام دار الهوان، لمن كان متكبّرا عن آيات الله تعالى واتّباع رسله.
وهم في عذاب دائم دون موت كما قال تعالى: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها [فاطر ٣٥/ ٣٦]، وفي ديمومة من العذاب في جميع الوقت، كما قال سبحانه: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر ٤٠/ ٤٦].
فقه الحياة أو الأحكام:
تتضمن الآيات جوابا عن شبهة المشركين حول القرآن ووصفه بأنه أساطير الأولين، وليس معجزة، وليس هو من تنزيل ربّنا. ولم يكن جوابهم هنا كما تبين سابقا بالحجة الدامغة، وإنما جوابهم هو استحقاقهم العذاب الشديد، فاقتصر على

صفحة رقم 116

محض الوعيد ولم يجب عن شبهتهم لأنه تعالى بيّن كون القرآن الكريم معجزا بطريقين:
الأول- أنه صلّى الله عليه وسلّم تحدّاهم بكل القرآن، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة، أو بحديث واحد، وعجزوا عن المعارضة، وذلك يدلّ على كونه معجزا.
الثاني- أنه تعالى حكى هذه الشبهة بعينها في آية أخرى وهي: اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وأبطلها بقوله تعالى: قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي أن القرآن مشتمل على الإخبار عن المغيبات، وهذا لا يكون إلا من العالم بأسرار السموات والأرض «١».
فهم يتحملون نتيجة آثامهم وذنوبهم تحمّلا كاملا، لا ينقص منه شيء لنكبة أصابتهم في الدّنيا بكفرهم، كما أنهم يتحمّلون مثل أوزار تابعيهم، وذلك بسبب كفرهم وإضلالهم غيرهم، جهلا منهم بما يلزمهم من الآثام، إذ لو علموا لما أضلّوا، فبئس الوزر الذي يحملونه.
وعقابهم في الدّنيا يشبه عقاب عمالقة الكفر الذين تقدموهم مثل النّمروذ بن كنعان وقومه، أرادوا صعود السّماء وقتال أهله، فبنوا الصرح ليصعدوا منه، فخرّ عليهم، إما بزلزلة أو ريح، فخرّبته. وكان عقابهم إبطال مكرهم وتدبيرهم وإهلاكهم عن بكرة أبيهم.
وعقابهم أيضا في الآخرة هو الذّلّ والهوان والفضيحة بالعذاب الأليم بسبب كفرهم، مع التقريع والتوبيخ والاستهزاء بهم، وبيان عدم وجود الشركاء لله تعالى أصلا.
وكل من العقابين لاستمرارهم على الكفر إلى حين الموت، فإذا أقرّوا حينئذ

(١) تفسير الرّازي: ٢٠/ ١٩

صفحة رقم 117
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية