
والقمر، والنجوم مسخرات بأمره لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، إن ذلك لآيات لقوم يستعملون عقولهم في فهم حقائق الكون الذي هم فيه.
هو الذي سخر لكم ما خلق في الأرض جميعا على اختلاف أشكاله وألوانه خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «١» إن في ذلك لآية لقوم يتذكرون ويتدبرون، وهو الله- سبحانه وتعالى- الذي سخر البحر وذلله وجعله خاضعا وهو صاحب قوة وبطش فجعلنا نحده بالجسور والقناطر، ونركبه، ونتخذه طريقا لنقل أنفسنا ومتاعنا إلى حيث نشاء، وجعل فيه- سبحانه- السمك ولحمه الطري والحلية من اللؤلؤ والمرجان، ومكننا من كل ذلك ونرى السفن الكبيرة الثقيلة محمولة على ظهر البحر وتشق الماء شقا، وتمخر عبابه وهي كالبلد المتنقل، سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا، ولتستخرجوا منه حلية تلبسونها، ولتبتغوا من فضله بالتجارة والرحلات والأسفار، وقد من الله علينا بذلك لننتفع ولعلنا نقوم بواجب الشكر علينا.
هو الذي ألقى في الأرض رواسى من الجبال الشامخات لئلا تميد بكم الأرض وتضطرب عند دورانها وتحركها، وجعل لكم فيها أنهارا كنهر النيل والفرات والمسيسبى وغيرها وجعلها سبلا وطرقا لربط أجزاء الأرض ولنقل التجارة والمصالح، وجعلها علامات وحدودا، وفي الأرض علامات أخرى وحدود من أنهار وجبال وآكام، وفي السماء نجوم نهتدي بها في الظلمات وسبحان الله عما يشركون.
هذا هو الخلاق المنعم فأين الشركاء؟! [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٧ الى ٢٣]
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)

المعنى:
هذا خلق الله فأرونى. ماذا خلق الذين من دونه؟ أرونى ماذا خلقوا من الأرض؟
أم لهم شركاء في السماء؟!! عجبا لكم أيها المشركون. أفمن يخلق مما تقدم كمن لا يخلق؟ أعميتم فلا تذكرون وتتعظون؟
ما تقدم من أنواع الخلق بعض نعم الله علينا وهذا في الواقع قطرة من بحر، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها أبدا. ولا تطيقوا حصرها، فكيف بأداء شكرها والقيام بحقها؟ ومع هذا فالله هو الغفور الرحيم بكم، فأنت مهما عملت لله فعملك لا يوازى نعمة واحدة من نعمه، ولعلك تدرك السر في ختم الآية بالمغفرة والرحمة.
الله خلق جميع الخلق ما نعلم وما لا نعلم، وهو صاحب النعم التي لا تحصى ولا تحصر، وهو الغفور الرحيم، والله يعلم ما تسرون وما تعلنون إذ هو عالم الغيب والشهادة اللطيف الخبير.
والذين تدعونهم من دون الله آلهة. وشركاء لله، لا يخلقون شيئا بل هم يخلقون، وهم أموات غير أحياء أى: هم أجساد ميتة. لا حياة فيها أصلا، فزيادة (غير أحياء) لبيان أنها ليست كبعض الأجساد التي تموت بعد ثبوت الحياة لها، بل لا حياة لهذه أصلا فكيف يعبدونها وهم أفضل لأنهم أحياء، وهم أموات، إن هذا لعجيب!! وهؤلاء الأصنام لا تشعر في أى وقت يبعث عبدتهم من الكفار، وهذا ضرب من التهكم بهم عظيم إذ شعور الجماد بالأمور الظاهرة والمحسوسة مستحيل فكيف بالأمور الخفية التي لا يعلمها إلا الله؟!!