آيات من القرآن الكريم

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

مَعْرِفَةِ الطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا فِي مَعْرِفَةِ طَلَبِ الْقِبْلَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِبَاهَ الْقِبْلَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَلَامَاتٍ لَائِحَةٍ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَتْ لَائِحَةً وَجَبَ أَنْ يَجِبَ الِاجْتِهَادُ وَيَتَوَجَّهَ إِلَى حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ هُوَ الْقِبْلَةُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ وَجَبَ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ كَانَ مُقَصِّرًا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرِ الْعَلَامَاتُ فَهَهُنَا طَرِيقَانِ:
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الصَّلَاةِ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ لِأَنَّ الْجِهَاتِ لَمَّا تَسَاوَتْ وَامْتَنَعَ التَّرْجِيحُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّخْيِيرُ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَحِينَئِذٍ يَعْلَمُ بِيَقِينٍ أَنَّهُ خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ وَهَذَا كَمَا يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ: فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَعْرِفُهَا بِعَيْنِهَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ الْكُلَّ كَانَ الْكُلُّ وَاجِبًا وَإِنْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ كُلِّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَوْتَ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٧ الى ٢١]
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى وُجُودِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْأَحْسَنِ وَالنَّظْمِ الْأَكْمَلِ وَكَانَتْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ كَمَا أَنَّهَا كَانَتْ دَلَائِلَ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا كَانَتْ شَرْحًا وَتَفْصِيلًا لِأَنْوَاعِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْسَامِ إِحْسَانِهِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ إِبْطَالِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الْبَاهِرَةُ، وَالْبَيِّنَاتُ الزَّاهِرَةُ الْقَاهِرَةُ عَلَى وُجُودِ إِلَهٍ قَادِرٍ حَكِيمٍ، وَثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْمَوْلَى لِجَمِيعِ هَذِهِ النِّعَمِ وَالْمُعْطِي لِكُلِّ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ فَكَيْفَ يَحْسُنُ فِي الْعُقُولِ الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَةِ مَوْجُودٍ سِوَاهُ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذلك الْمَوْجُودُ جَمَادًا لَا يَفْهَمُ وَلَا يَقْدِرُ، فَلِهَذَا الوجه قَالَ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَالْمَعْنَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كَمَنْ لَا يَخْلُقُ بَلْ لَا يَقْدِرُ الْبَتَّةَ عَلَى شَيْءٍ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ وَنَظَرٍ. وَيَكْفِي فِيهِ أَنْ تَتَنَبَّهُوا عَلَى مَا فِي عُقُولِكُمْ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمُنْعِمِ الْأَعْظَمِ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ فِي الشَّاهِدِ إِنْسَانًا عَاقِلًا فَاهِمًا يُنْعِمُ بِالنِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَقْبُحُ عِبَادَتُهُ فَهَذِهِ الْأَصْنَامُ جَمَادَاتٌ مَحْضَةٌ، وَلَيْسَ لَهَا فَهْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ فَكَيْفَ تُقْدِمُونَ عَلَى عِبَادَتِهَا، وَكَيْفَ تُجَوِّزُونَ الِاشْتِغَالَ بِخِدْمَتِهَا وَطَاعَتِهَا.
المسألة الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَمَنْ لَا يَخْلُقُ الْأَصْنَامُ، وَأَنَّهَا جَمَادَاتٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا لَفْظَةُ «مَنْ» لِأَنَّهَا لِأُولِي الْعِلْمِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ مِنْ وجوه:

صفحة رقم 192

الوجه الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمَّوْهَا آلِهَةً وَعَبَدُوهَا، لَا جَرَمَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى أُولِي الْعِلْمِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَى أَثَرِهِ: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ.
وَالوجه الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ.
وَالوجه الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ لَيْسَ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ فَكَيْفَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ كَقَوْلِهِ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها يَعْنِي أَنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي تَدْعُونَهَا حَالُهُمْ مُنْحَطَّةٌ عَنْ حَالِ مَنْ لَهُمْ أَرْجُلٌ وَأَيْدٍ وَآذَانٌ وَقُلُوبٌ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَحْيَاءٌ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُمْ عِبَادَتُهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ لَصَحَّ أَنْ يُعْبَدُوا.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِلْزَامُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، حَيْثُ جَعَلُوا غَيْرَ الْخَالِقِ مِثْلَ الْخَالِقِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْإِلَهِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهَا، فَكَانَ حَقُّ الْإِلْزَامِ أَنْ يُقَالَ: أَفَمَنْ لَا يَخْلُقُ كَمَنْ يَخْلُقُ.
وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْعَظِيمَةَ وَيُعْطِي هَذِهِ الْمَنَافِعَ الْجَلِيلَةَ كَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ الْخَسِيسَةِ فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِ الْإِلَهِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهَا وَالْإِقْدَامِ عَلَى غَايَةِ تَعْظِيمِهَا فَوَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ خَالِقٍ لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى مَيَّزَ نَفْسَهُ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا بِصِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ الْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ كَوْنِهِ مُمْتَازًا عَنِ الْأَنْدَادِ بِصِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْإِلَهِيَّةَ وَالْمَعْبُودِيَّةَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ خَالِقًا، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ خَالِقًا لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ لَوَجَبَ كَوْنُهُ إِلَهًا مَعْبُودًا، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا عَلِمْنَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْجَوَابُ: عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الوجه الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَفَمَنْ يخلق ما تقدم ذكره من السموات وَالْأَرْضِ وَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْبِحَارِ وَالنُّجُومِ وَالْجِبَالِ كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ أَصْلًا، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إِلَهًا وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَفْعَالِ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا.
وَالوجه الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَا يَكُونُ خَالِقًا، فَوَجَبَ امْتِنَاعُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها [الْأَعْرَافِ: ١٩٥] وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي حَصَلَ لَهُ رِجْلٌ يَمْشِي بِهَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ رِجْلٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ بِهَا، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ أَفْضَلَ مِنَ الصَّنَمِ، وَالْأَفْضَلُ لَا يَلِيقُ بِهِ عِبَادَةُ الْأَخَسِّ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ إِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ رِجْلٌ يمشي بها أن يكون إلها، فكذلك هاهنا الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ الْخَالِقَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ الْخَالِقِ، فَيَمْتَنِعُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ صِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ يَكُونُ إِلَهًا.
وَالوجه الثَّالِثُ فِي الْجَوَابِ: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْخَالِقِ عَلَى الْعَبْدِ. قَالَ الْكَعْبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» إِنَّا لَا نَقُولُ: إِنَّا نَخْلُقُ أَفْعَالَنَا: قَالَ وَمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَقَوْلِهِ:
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [الْمَائِدَةِ: ١١٠] وَقَوْلِهِ: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٤].

صفحة رقم 193

وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي هَاشِمٍ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْخَالِقِ عَلَى الْعَبْدِ، حَتَّى أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَصِيرَ بَالَغَ وَقَالَ:
إِطْلَاقُ لَفْظِ الْخَالِقِ عَلَى الْعَبْدِ حَقِيقَةٌ وَعَلَى اللَّهِ مَجَازٌ، لِأَنَّ الخلق عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ الظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ، وَهُوَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَاصِلٌ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ قَوِيَّةٌ وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أما قوله تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ بَاطِلٌ وَخَطَأٌ بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرِ نِعَمِهِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ كَرَمِهِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، بَلِ الْعَبْدُ وَإِنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي الْقِيَامِ بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَبَالَغَ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقَصِّرًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِشُكْرِ النِّعَمِ مَشْرُوطٌ بِعِلْمِهِ بِتِلْكَ النِّعَمِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَالتَّحْصِيلِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا وَلَا مَفْهُومًا وَلَا مَعْلُومًا امْتَنَعَ الِاشْتِغَالُ بِشُكْرِهِ، إِلَّا أَنَّ الْعِلْمَ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلْعَبْدِ، لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ وَأَقْسَامَهَا وَشُعَبَهَا وَاسِعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَعُقُولُ الْخَلْقِ قَاصِرَةٌ عن الإحاطة بمباديها فضلا عن غاياتها أنها غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ الِاشْتِغَالُ بِشُكْرِهِ عَلَى الوجه الَّذِي يَكُونُ ذَلِكَ الشُّكْرُ لَائِقًا بِتِلْكَ النِّعَمِ. فَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها يَعْنِي: أَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، وَإِذَا لَمْ تَعْرِفُوهَا امْتَنَعَ مِنْكُمُ الْقِيَامُ بِشُكْرِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ والكمال، وذلك يدل على أن شكر الخلق قَاصِرٌ عَنْ نِعَمِ الْحَقِّ، وَعَلَى أَنَّ طَاعَاتِ الْخَلْقِ قَاصِرَةٌ عَنْ رُبُوبِيَّةِ الْحَقِّ وَعَلَى أَنَّ مَعَارِفَ الْخَلْقِ قَاصِرَةٌ عَنْ كُنْهِ جَلَالِ الْحَقِّ، وَمِمَّا يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ عُقُولَ الْخَلْقِ قَاصِرَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ الْإِنْسَانِيِّ لَوْ ظَهَرَ فِيهِ أَدْنَى خَلَلٍ لَتَنَغَّصَ الْعَيْشُ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَلَتَمَنَّى أَنْ يُنْفِقَ كُلَّ الدُّنْيَا حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ ذَلِكَ الْخَلَلُ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُدَبِّرُ أَحْوَالَ بَدَنِ الْإِنْسَانِ عَلَى الوجه الْأَكْمَلِ الْأَصْلَحِ، مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا عِلْمَ لَهُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَلَا بِكَيْفِيَّةِ مَصَالِحِهِ وَلَا بِدَفْعِ مَفَاسِدِهِ، فَلْيَكُنْ هَذَا الْمِثَالُ حَاضِرًا فِي ذِهْنِكَ، ثُمَّ تَأْمَّلْ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَجَعَلَهَا مُهَيَّأَةً لِانْتِفَاعِكَ بِهَا، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ عُقُولَ الْخَلْقِ تَفْنَى فِي مَعْرِفَةِ حِكْمَةِ الرَّحْمَنِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ وُجُوهِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَمَّا قَرَّرْتُمْ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالشُّكْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ بِأَقْسَامِ النِّعَمِ، وَدَلَّلْتُمْ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْعَالِمِ بِأَقْسَامِ النِّعَمِ مُحَالٌ أَوْ غَيْرُ وَاقِعٍ، فَكَيْفَ أَمَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِالْقِيَامِ بِشُكْرِ النِّعَمِ؟
قُلْنَا: الطَّرِيقُ إِلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ مُفَصَّلِهَا وَمُجْمَلِهَا. فَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي بِهِ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الشُّكْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنه ليس لله على الكافر نِعْمَةٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ نِعَمٌ كَثِيرَةٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ الْإِنْعَامَ بِخَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَالْإِنْعَامَ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالْإِنْعَامَ بِخَلْقِ الْأَنْعَامِ وَبِخَلْقِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَبِخَلْقِ أَصْنَافِ النِّعَمِ مِنَ الزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ وَالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ، وَبِتَسْخِيرِ الْبَحْرِ لِيَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَيَسْتَخْرِجَ مِنْهُ حِلْيَةً يَلْبَسُهَا كُلُّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، ثُمَّ أَكَّدَ

صفحة رقم 194

تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ/ اللَّهِ لَا تُحْصُوها وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِعَمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ وَاصِلَةٌ إِلَى الْكُفَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أما قوله: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: ٣٤] وقال هاهنا: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِأَدَاءِ الشُّكْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ غَفُورٌ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ عَنْكُمْ فِي الْقِيَامِ بِشُكْرِ نِعَمِهِ، رَحِيمٌ بِكُمْ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ تَقْصِيرِكُمْ.
أما قوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا مَعَ اشْتِغَالِهِمْ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يُسِرُّونَ ضُرُوبًا مِنَ الْكُفْرِ فِي مَكَايِدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَجَعَلَ هَذَا زَجْرًا لَهُمْ عَنْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى زَيَّفَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى الْخَلْقِ وَالْإِنْعَامِ وَزَيَّفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا عِبَادَتَهَا بِسَبَبِ أَنَّ الْإِلَهَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ جَمَادَاتٌ لَا مَعْرِفَةَ لَهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا فَكَيْفَ تَحْسُنُ عِبَادَتُهَا؟
أما قوله: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ هَذِهِ الْأَصْنَامَ بِصِفَاتٍ كَثِيرَةٍ.
فَالصِّفَةُ الْأُولَى: أَنَّهُمْ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ وَيُدْعَوْنَ كُلَّهَا بِالْيَاءِ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنِ الْغَائِبِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ يَدْعُونَ بِالْيَاءِ خَاصَّةً عَلَى الْمُغَايَبَةِ وتُسِرُّونَ وتُعْلِنُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَالْبَاقُونَ كُلَّهَا بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لَا تَخْلُقُ شيئا وقوله هاهنا: لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً يَدُلُّ عَلَى نَفْسِ هَذَا الْمَعْنَى، فَكَانَ هَذَا مَحْضَ التَّكْرِيرِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُقُونَ شيئا، والمذكور هاهنا أَنَّهُمْ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ لِغَيْرِهِمْ، فَكَانَ هَذَا زِيَادَةً فِي الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِشَرْحِ نَقْصِهِمْ فِي ذَوَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ فَبَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّهَا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا، ثُمَّ ثَانِيًا أَنَّهَا كَمَا لَا تَخْلُقُ غَيْرَهَا فَهِيَ مَخْلُوقَةٌ لِغَيْرِهَا.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ آلِهَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَكَانُوا أَحْيَاءً غَيْرَ أَمْوَاتٍ، أَيْ غَيْرَ جَائِزٍ عَلَيْهَا الْمَوْتُ كَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَمْرُ هَذِهِ الْأَصْنَامِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا قَالَ: أَمْواتٌ عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ أَحْيَاءٍ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: غَيْرُ أَحْياءٍ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَحْصُلُ عَقِيبَ حَيَاتِهِ مَوْتٌ، وَهَذِهِ/ الْأَصْنَامُ أَمْوَاتٌ لَا يَحْصُلُ عَقِيبَ مَوْتِهَا الْحَيَاةُ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَهُمْ فِي نِهَايَةِ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَمَنْ تَكَلَّمَ مَعَ الْجَاهِلِ الْغَرِّ الْغَبِيِّ فَقَدْ يَحْسُنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِالْعِبَارَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَغَرَضُهُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ فِي غَايَةِ الْغَبَاوَةِ وَأَنَّهُ إنما يعيد الْكَلِمَاتِ لِكَوْنِ ذَلِكَ السَّامِعِ فِي نِهَايَةِ الْجَهَالَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالْعِبَارَةِ الْوَاحِدَةِ.

صفحة رقم 195
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية