آيات من القرآن الكريم

۞ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ، فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ، قَالَ:
مَا هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ وَنَحْنُ نريده على الإسلام منذ قال أحسبه شَهْرَيْنِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَقَالَ: قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَاقْتُلُوهُ أَوْ قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظٍ آخَرَ.
وَالْأَفْضَلُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُسْلِمُ عَلَى دِينِهِ وَلَوْ أَفْضَى إِلَى قتله، كما ذكر الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَسَرَتْهُ الروم، فجاؤوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ فَقَالَ لَهُ: تَنَصَّرْ وَأَنَا أُشْرِكُكَ فِي مُلْكِي وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، فَقَالَ لَهُ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ وَجَمِيعَ مَا تَمْلِكُهُ الْعَرَبُ عَلَى أَنْ أَرْجِعَ عَنْ دِينِ محمد ﷺ طَرْفَةَ عَيْنٍ مَا فَعَلْتُ، فَقَالَ: إِذًا أَقْتُلُكَ، فقال: أنت وذاك، قال: فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، وَأَمَرَ الرُّمَاةَ فَرَمَوْهُ قَرِيبًا مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَهُوَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ فَيَأْبَى، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِقِدْرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ.
وَجَاءَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَلْقَاهُ وَهُوَ يَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ عِظَامٌ تَلُوحُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ فَأَبَى، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا، فَرُفِعَ فِي الْبَكَرَةِ لِيُلْقَى فِيهَا، فَبَكَى فَطَمِعَ فِيهِ ودعاه، فقال: إِنِّي إِنَّمَا بَكَيْتُ لِأَنَّ نَفْسِي إِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى فِي هَذِهِ الْقِدْرِ السَّاعَةَ فِي اللَّهِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ لِي بِعَدَدِ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِي نَفْسٌ تُعَذَّبُ هَذَا الْعَذَابَ فِي اللَّهِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ سجنه ومنع منه الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أَيَّامًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِخَمْرٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ فَلَمْ يَقْرَبْهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ؟ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ حَلَّ لِي، وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لِأُشَمِّتَكَ بي، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: فَقَبِّلْ رَأْسِي وَأَنَا أُطْلِقُكَ، فَقَالَ: وَتُطْلِقُ مَعِي جَمِيعَ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ فَأَطْلَقَهُ وَأَطْلَقَ مَعَهُ جَمِيعَ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَأَنَا أَبْدَأُ، فَقَامَ فقبل رأسه رضي الله عنهما.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١١١)
هَؤُلَاءِ صِنْفٌ آخَرُ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مُهَانِينَ فِي قَوْمِهِمْ فوافقوهم عَلَى الْفِتْنَةِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَمْكَنَهُمُ الْخَلَاصُ بِالْهِجْرَةِ فَتَرَكُوا بِلَادَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَغُفْرَانِهِ، وَانْتَظَمُوا فِي سِلْكِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَاهَدُوا مَعَهُمُ الكافرين، وصبروا، فأخبر تَعَالَى أَنَّهُ مِنْ بَعْدِهَا، أَيْ تِلْكَ الْفِعْلَةِ وَهِيَ الْإِجَابَةُ إِلَى الْفِتْنَةِ لَغَفُورٌ لَهُمْ رَحِيمٌ بِهِمْ يَوْمَ مَعَادِهِمْ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ

(١) المسند ٥/ ٢٣١.

صفحة رقم 521
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية