آيات من القرآن الكريم

۞ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ

قد يكون المعنى في هذه الآية على اتصال بالآية السابقة، ومتعلق بها، فيكون المراد: ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٠].
يحدث هذا:
﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا... ﴾ [النحل: ١١١].
أي: يوم القيامة. أو يكون المعنى: اذكر يا محمد:

صفحة رقم 8244

﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا﴾ [النحل: ١١١].
وهل للإنسان أكثر من نفس، فتجادل إحداهما عن الأخرى؟
الحقيقة أن للإنسان نفساً واحدة في الدنيا والآخرة، ولكنها تختلف في الدنيا عنها يوم القيامة؛ لأن الحق سبحانه منحها في الدنيا الاختيار، وجعلها حرة في أن تفعل أو لا تفعل، فكان من النفوس: الطائعة، والعاصية، والمنصاعة، والمكابرة.
فإذا ما وقفت النفس في موقف القيامة، وواجهتْ الحق الذي كانت تخالفه علمت أن الموقف لا تفيد فيه مكابرة، ولا حيلة لها إلا أن تجادل وتدافع عن نفسها، فكأن النفس القيامة تجادل عن نفس الدنيا في موقف ينادي فيه الحق تبارك وتعالى: ﴿لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار﴾ [غافر: ١٦].
وقد حكى القرآن الكريم نماذج من جدال النفس يوم القيامة، فقال تعالى: ﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣].
﴿والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى..﴾ [الزمر: ٣].
﴿رَبَّنَآ أَرِنَا الذين أَضَلاَّنَا مِنَ الجن والإنس نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا... ﴾ [فصلت: ٢٩].
إذن: هي نفس واحدة، تجادل عن نفسها في يوم لا تجزي فيه نفس عن نفس، فكلٌّ مشغول بكَرْبه، مُحاسَب بذنبه، كما قال تعالى:

صفحة رقم 8245

﴿يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٧].
وقوله تعالى:
﴿وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [النحل: ١١١].
الحق سبحانه يعطينا لقطة سريعة للحساب والجزاء يوم القيامة، فالميزان ميزان عَدْل وقسطاس مستقيم لا يظلم أحداً. ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨].
وقوله تعالى: ﴿وتوفى..﴾ [النحل: ١١١].
يدلُّ على أن الجزاء من الله يكون وافياً، لا نقص فيه ولا جَوْر، فالجميع عبيد الله، لا يتفاضلون إلا بأعمالهم، فإنْ رحمهم فبفضله، وإنْ عذَّبهم فبعدْله، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ١١٨].
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً..﴾.

صفحة رقم 8246
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية