آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ

وفي الآية الآتية شبهة واهية للمشركين... وإذا بدلنا آية مكان آية ورفعنا آية وجعلنا مكانها آية أخرى، أو أنزلنا حكما وجعلنا مكانه آخر لحكمة الله أعلم بها، وهو أعلم بما ينزله من القرآن.
قال هؤلاء المشركون: إنما أنت مفتر كاذب، بل أكثرهم لا يعلمون، راجع بحث النسخ في القرآن في آية (ما ننسخ) جزء ثان.
قل لهم يا محمد: أنزله روح القدس جبريل من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا ونزله هدى وبشرى للمسلمين.
كان هنا غلام للفاكه بن المغيرة واسمه جبر وكان نصرانيا فأسلم وكان المشركون إذا سمعوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم ما مضى وما هو آت مع أنه أمى لم يقرأ قالوا: إنما يعلمه جبر وهو أعجمى فقال الله تعالى: عجبا لكم لسان الذي تشيرون إليه وتقولون إنه علمه، لسان أعجمى ولغته أعجمية، وهذا القرآن الذي نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم عربي مبين.
ولا غرابة في افترائهم فهم دائما غير موفقين إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم ربهم إلى خير أبدا، ولهم عذاب أليم، وأما محمد صلّى الله عليه وسلّم فلا يمكن أن يفترى كذبا، وهو الصادق الأمين، الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك البعيدون في درجات الكفر والضلال هم الكاذبون الضالون.
المرتدون عن الإسلام والعياذ بالله [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠٦ الى ١١١]
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١)

صفحة رقم 338

المفردات:
شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فتحه ووسعه والمراد اطمأن صدره له غَضَبٌ أشد من اللعن الذي هو الطرد من رحمة الله اسْتَحَبُّوا اختاروا وأحبوا فُتِنُوا اختبروا بالعذاب.
لا يزال الكلام في نقض البيعة والعهد والردة عن الإسلام نقض البيعة الكبرى.
المعنى:
من كفر بالله ورسوله من بعد إيمانه، وارتد عن دين الإسلام- والعياذ بالله- فعليه غضب الله ولعنته، وله عذاب عظيم، إلا من أكره على الكفر وكان قلبه مطمئنا بالإيمان، عامرا باليقين. فليس عليه شيء من العذاب ولكن من شرح بالكفر صدرا، واطمأن إليه ودخل في غماره راضية نفسه مطمئنا قلبه، فعليه الغضب من الله وله العذاب العظيم.
ذلك الجزاء الوافي بسبب أن المرتدين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، واختاروا العاجلة وآثروها على الباقية، وأن الله لا يهدى القوم الكافرين خصوصا هؤلاء الذين

صفحة رقم 339

ذاقوا شيئا من حلاوة الإيمان ثم رجعوا إلى خبث الشرك وسوء الردة أولئك البعيدون في درجات الضلال الذين طبع الله على قلوبهم وختم عليها فلم يهتدوا إلى نور ولا إلى يقين، وطبع على سمعهم وعلى أبصارهم فلم يدركوا شيئا من الخير والنور الإلهى، إذ لا شك أن من يؤثر العاجلة على الفانية رجل لا قلب له ولا عقل، وأولئك هم الغافلون عن مصلحتهم الحقيقية الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، حقا لا شك فيه أنهم في الآخرة هم الخاسرون خسارة كاملة وافية.
روى عن ابن عباس قال: أخذ المشركون عمارا وأباه ياسرا، وأمه سمية وصهيبا وبلالا. وخبابا وسالما، فعذبوهم، وربطوا سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحرية وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال (وفي رواية إن الذي قال لها وفعل بها هو أبو جهل) وقتلت سمية بسبب ذلك، وقتل زوجها ياسر فكانا أول قتيلين في الإسلام ومن أجله، وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها فشكا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم
فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلم: «كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
فإن عادوا فعد»

ومن هنا قال القرطبي في تفسيره: «أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فإنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بكفر»
وفي الحديث «رفع عن أمّتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»
وللفقهاء في حكم المكره أقوال وتفصيلات يحسن الرجوع إليها في كتب الفقه.
ثم إن ربك للذين هاجروا وجاهدوا وصبروا أى: لهم بالمعونة والنصر والتأييد من بعد ما فتنوا وعذبوا ثم جاهدوا وصبروا بعد ذلك إن ربك من بعدها لغفور رحيم.
والمعنى في الآية أن من يفتن في دينه فيتكلم بكلمة الكفر مكرها، وصدره غير منشرح للكفر إذا صلح عمله وجاهد في سبيل الله وصبر على المكاره فالله غفور رحيم به، وثم التي في الآية لبيان بعد مرتبة من فتن في دينه وصبر ولم ينطق بالكفر عن مرتبة من فتن وكفر مكرها.
واذكر يوم تأتى كل نفس وذات تجادل عن نفسها، وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وهذا وصف جامع ليوم القيامة.

صفحة رقم 340
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية