آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]

وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَعَ مِنْ هذا الموضع فِي حِكَايَةِ شُبُهَاتِ مُنْكِرِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ فِيهَا شِدَّةٌ، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ أَلْيَنُ مِنْهَا تَقُولُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: وَاللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا يَسْخَرُ بِأَصْحَابِهِ، الْيَوْمَ يَأْمُرُ بِأَمْرٍ وَغَدًا يَنْهَى عَنْهُ، وَإِنَّهُ لَا يَقُولُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَمَعْنَى التَّبْدِيلِ، رَفْعُ الشَّيْءِ مَعَ وَضْعِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ. وَتَبْدِيلُ الْآيَةِ رَفْعُهَا بِآيَةٍ أُخْرَى غَيْرِهَا، وَهُوَ نَسْخُهَا بِآيَةٍ سِوَاهَا، وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ اعْتِرَاضٌ دَخَلَ فِي الْكَلَامِ، وَالْمَعْنَى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالتَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ، أَيْ هُوَ أَعْلَمُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فِي مَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَهَذَا تَوْبِيخٌ لِلْكُفَّارِ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ أَيْ إِذَا كَانَ هُوَ أَعْلَمَ بِمَا يُنَزِّلُ فَمَا بَالُهُمْ ينسبون محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الِافْتِرَاءِ لِأَجْلِ التَّبْدِيلِ وَالنَّسْخِ، وَقَوْلُهُ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الْقُرْآنِ وَفَائِدَةَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ كَمَا أَنَّ الطَّبِيبَ يَأْمُرُ الْمَرِيضَ بِشَرْبَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْهَاهُ عَنْهَا، وَيَأْمُرُهُ بِضِدِّ تِلْكَ الشَّرْبَةِ، وَقَوْلُهُ: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ تَفْسِيرُ رُوحِ الْقُدُسِ مَرَّ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُضِيفَ إِلَى الْقُدُسِ وَهُوَ الطُّهْرُ كَمَا يُقَالُ:
حَاتِمُ الْجُودِ وَزَيْدُ الْخَيْرِ، وَالْمُرَادُ الرُّوحُ الْمُقَدَّسُ، وَحَاتِمٌ الْجَوَادُ وَزَيْدٌ الْخَيْرُ، وَالْمُقَدَّسُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الْمَاءِ وَ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: مِنْ رَبِّكَ صِلَةٌ لِلْقُرْآنِ أَيْ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَّلَ الْقُرْآنَ مِنْ رَبِّكَ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ لِيَبْلُوَهُمْ بِالنَّسْخِ حَتَّى إِذَا قَالُوا فِيهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا حُكِمَ لَهُمْ بِثَبَاتِ الْقَدَمِ فِي الدِّينِ وَصِحَّةِ الْيَقِينِ بِأَنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ فَلَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا هُوَ حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ: وَهُدىً وَبُشْرى مَفْعُولٌ لَهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ لِيُثَبِّتَ، وَالتَّقْدِيرُ: تَثْبِيتًا لَهُمْ وَإِرْشَادًا وَبِشَارَةً. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِحُصُولِ أَضْدَادِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِغَيْرِهِمْ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ: أَنَّ النَّسْخَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي هَذِهِ الشريعة، فقال المراد هاهنا: إِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِثْلَ أَنَّهُ حَوَّلَ الْقِبْلَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَنْتَ مُفْتَرٍ فِي هَذَا التَّبْدِيلِ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ فَقَالُوا: النَّسْخُ وَاقِعٌ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي سَائِرِ السُّوَرِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقُرْآنُ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ، وَاحْتَجَّ عَلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْآيَةَ لَا تَصِيرُ مَنْسُوخَةً إِلَّا بِآيَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُبَدِّلُ آيَةً بِآيَةٍ أُخْرَى وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُبَدِّلُ آيَةً إِلَّا بِآيَةٍ، وَأَيْضًا فَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ يَنْزِلُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْآيَةِ، وَأَيْضًا فَالسُّنَّةُ قَدْ تَكُونُ مُثْبِتَةً لِلْآيَةِ، وَأَيْضًا فَهَذَا حِكَايَةُ كَلَامِ الْكُفَّارِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ؟ وَاللَّهُ أعلم.

صفحة رقم 270
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية