آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ
ﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

وَالْإِمَامُ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ لِأَنَّهُ يَأْتَمُّ بِهِ السَّائِرُ، أَيْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُوَصِّلُ إِذْ لَا يَخْفَى عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُبِينُ: الْبَيِّنُ، أَيْ أَنَّ كِلْتَا الْقَرْيَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْقَوَافِلِ بِأَهْلِ مَكَّةَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ: وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [سُورَة الْحجر: ٧٦] فَإِدْخَالُ مَدِينَةِ لُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الضَّمِيرِ هُنَا تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ ضَمِيرَ التَّثْنِيَةِ عَائِدٌ عَلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ قَبِيلَتَانِ، وَهُمَا مَدْيَنُ
وَسُكَّانُ الْغَيْضَةِ الْأَصْلِيُّونَ الَّذِينَ نَزَلَ مَدْيَنُ بِجِوَارِهِمْ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَسْكَنَ ابْنَهُ مَدْيَنَ فِي شَرْقِ بِلَادِ الْخَلِيلِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي أَرْضٍ مَأْهُولَةٍ. وَهَذَا عِنْدِي هُوَ مُقْتَضَى ذِكْرِ قَوْمِ شُعَيْبٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِاسْمِ مَدْيَنَ مَرَّاتٍ وَبِاسْمِ أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ مَرَّاتٍ. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَة الشّعراء.
[٨٠- ٨٤]
[سُورَة الْحجر (١٥) : الْآيَات ٨٠ إِلَى ٨٤]
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)
جُمِعَتْ قَصَصُ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الثَّلَاثِ: قَوْمِ لُوطٍ، وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ، وَأَصْحَابِ الْحِجْرِ فِي نَسَقٍ، لِتَمَاثُلِ حَالِ الْعَذَابِ الَّذِي سُلِّطَ عَلَيْهَا وَهُوَ عَذَابُ الصَّيْحَةِ وَالرَّجْفَةِ وَالصَّاعِقَةِ.
وَأَصْحَابُ الْحِجْرِ هُمْ ثَمُودُ كَانُوا يَنْزِلُونَ الْحِجْرَ- بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ-.
وَالْحِجْرُ: الْمَكَانُ الْمَحْجُورُ، أَيِ الْمَمْنُوعُ مِنَ النَّاسِ بِسَبَبِ اخْتِصَاصٍ

صفحة رقم 72

بِهِ، أَوِ اشْتُقَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْحِتُونَ بُيُوتَهُمْ فِي صَخْرِ الْجَبَلِ نَحْتًا مُحْكَمًا. وَقَدْ جُعِلَتْ طَبَقَاتٌ وَفِي وَسَطِهَا بِئْرٌ عَظِيمَةٌ وَبِئَارٌ كَثِيرَةٌ.
وَالْحِجْرُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِوَادِي الْقُرَى وَهُوَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ بِاسْمِ مَدَائِنِ صَالِحٍ عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى تَبُوكَ.
وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ مَدِينَةِ بَنِي حَنِيفَةَ فَهِيَ- بِفَتْحِ الْحَاءِ- وَهِيَ فِي بِلَادِ نَجْدٍ وَتُسَمَّى الْعُرُوضُ وَهِيَ الْيَوْمَ مِنْ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ.
وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُسْتَشْرِقِينَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ أَنَّ الْبُيُوتَ الْمَنْحُوتَةَ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ كَانَتْ قُبُورًا، وَتَعَلَّقُوا بِحُجَجٍ وَهْمِيَّةٍ. وَمِمَّا يُفَنِّدُ أَقْوَالَهُمْ خَلُوُّ تِلْكَ الْكُهُوفِ عَنْ أَجْسَادٍ آدَمِيَّةٍ.
وَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ قُبُورًا فَأَيْنَ كَانَتْ مَنَازِلُ الْأَحْيَاءِ؟.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمُودَ لَمَّا أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ كَانُوا مُنْتَشِرِينَ فِي خَارِجِ الْبُيُوتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ. وَقَدْ وُجِدَتْ فِي مَدَاخِلِ تِلْكَ الْبُيُوتِ نُقَرٌ صَغِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَجْعُولَةٌ لِوَصْدِ أَبْوَابِ الْمَدَاخِلِ فِي اللَّيْلِ.
وَتَعْرِيفُ الْمُرْسَلِينَ لِلْجِنْسِ، فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ، إِذِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا صَالِحًا-
عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [سُورَة الشُّعَرَاء: ١٠٥].
وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ جَمْعُ الْآيَاتِ فِي قَوْلِهِ: آياتِنا مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ، وَهِيَ آيَةُ النَّاقَةِ، أَوْ أُرِيدَ أَنَّهَا آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى آيَاتٍ فِي كَيْفِيَّةِ خُرُوجِهَا مِنْ صَخْرَةٍ، وَحَيَاتِهَا، وَرَعْيِهَا، وَشُرْبِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا خَرَجَ مَعَهَا فَصِيلُهَا، فَهُمَا آيَتَانِ.
وَجُمْلَةُ وَكانُوا يَنْحِتُونَ مُعْتَرِضَةٌ. وَالنَّحْتُ: بَرْيُ الْحَجَرِ أَوِ الْعُودِ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ مِنْ جَوَانِبِهِ.
ومِنَ الْجِبالِ تَبْعِيضٌ مُتَعَلِّقٌ بِ يَنْحِتُونَ. وَالْمَعْنَى مِنْ صَخْرِ الْجِبَالِ، لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ يَنْحِتُونَ.

صفحة رقم 73
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية