آيات من القرآن الكريم

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ
ﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٥١ الى ٥٦]

وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥)
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي تَقْرِيرِ أَمْرِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَصِفَةِ الْأَشْقِيَاءِ وَالسُّعَدَاءِ، أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِيَكُونَ سَمَاعُهَا مُرَغِّبًا فِي الطَّاعَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَوْزِ بِدَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمُحَذِّرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ لِاسْتِحْقَاقِ دَرَكَاتِ الْأَشْقِيَاءِ، فَبَدَأَ أَوَّلًا بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالضَّمِيرُ، فِي قَوْلِهِ: وَنَبِّئْهُمْ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: عِبادِي وَالتَّقْدِيرُ: ونبىء عِبَادِي عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ، يُقَالُ: أَنْبَأْتُ الْقَوْمَ إِنْبَاءً وَنَبَّأْتُهُمْ تَنْبِئَةً إِذَا/ أَخْبَرْتَهُمْ وَذَكَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ أَنَّ ضَيْفَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَشَّرُوهُ بِالْوَلَدِ بَعْدَ الْكِبَرِ. وَبِإِنْجَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْعَذَابِ وَأَخْبَرُوهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ تَعَالَى سَيُعَذِّبُ الْكُفَّارَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُقَوِّي مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ عَذَابَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: الضَّيْفُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ ضَافَ يَضِيفُ إِذَا أَتَى إِنْسَانًا لِطَلَبِ الْقِرَى، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَ فِي اللَّفْظِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ سَمَّاهُمْ ضَيْفًا مَعَ امْتِنَاعِهِمْ عَنِ الْأَكْلِ؟
قُلْنَا: لَمَّا ظَنَّ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ لِطَلَبِ الضِّيَافَةِ جَازَ تَسْمِيَتُهُمْ بِذَلِكَ. وَقِيلَ أَيْضًا: إِنَّ مَنْ يَدْخُلُ دَارَ الْإِنْسَانِ وَيَلْتَجِئُ إِلَيْهِ يُسَمَّى ضَيْفًا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً أَيْ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ سَلَامًا أَوْ سَلَّمْتُ سَلَامًا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ أَيْ خَائِفُونَ، وَكَانَ خَوْفُهُ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْأَكْلِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَبِغَيْرِ وَقْتٍ وَقَرَأَ الْحَسَنُ: لَا تَوْجَلْ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَوْجَلَهُ يُوجِلُهُ إِذَا أَخَافَهُ. وَقُرِئَ لَا تَأْجَلْ وَلَا تُوَاجَلْ من واجله بمعنى أو جله، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ هُودٍ. وَقَوْلُهُ: قالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فِيهِ أَبْحَاثُ:
البحث الْأَوَّلُ: قَرَأَ حَمْزَةُ: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِفَتْحِ النُّونِ، وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ، وَالْبَاقُونَ: نُبَشِّرُكَ بِالتَّشْدِيدِ.
البحث الثَّانِي: قَوْلُهُ: إِنَّا نُبَشِّرُكَ اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنِ الْوَجَلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ بِمَثَابَةِ الْآمِنِ الْمُبَشَّرِ فَلَا تَوْجَلْ.
البحث الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ بَشَّرُوهُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَلَدَ ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَصِيرُ عَلِيمًا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْعَلِيمِ، فَقِيلَ: بَشَّرُوهُ بِنُبُوَّتِهِ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: بَشَّرُوهُ بِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِالدِّينِ. ثُمَّ حَكَى اللَّهُ

صفحة رقم 150

تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: أبشرتموني على أن مسني الكبر فيم تبشرون، فمعنى: عَلى هاهنا للحال أي حالة الكبر، وقوله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ فيه مسألتان:
المسألة الأولى: لفظ ما هاهنا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ كَأَنَّهُ قَالَ: بِأَيِّ أُعْجُوبَةٍ تُبَشِّرُونِي؟
فَإِنْ قِيلَ: فِي الْآيَةِ إِشْكَالَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَيْفَ اسْتَبْعَدَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِ الْوَلَدِ مِنْهُ فِي زَمَانِ الْكِبَرِ وَإِنْكَارُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كُفْرٌ. الثاني: كيف قال: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ بَيَّنُوا مَا بَشَّرُوهُ بِهِ، وَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْإِسْتِفَهَامِ. قَالَ الْقَاضِي: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ/ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِ الْوَلَدَ مَعَ أَنَّهُ يُبْقِيهِ عَلَى صِفَةِ الشَّيْخُوخَةِ أَوْ يَقْلِبُهُ شَابًّا، ثُمَّ يُعْطِيهِ الْوَلَدَ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوَلَدُ حَالَ الشَّيْخُوخَةِ التَّامَّةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فِي حَالِ الشَّبَابِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتُمْ فَلِمَ قَالُوا: بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ.
قُلْنَا: إِنَّهُمْ بَيَّنُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَشَّرَهُ بِالْوَلَدِ مَعَ إبقائه على صفة الشيخوخة وقولهم: فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ. لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي جَوَابِهِمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَقَالَ: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ وَفِيهِ جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الرَّغْبَةِ فِي شَيْءٍ وَفَاتَهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ ذَلِكَ الْمُرَادِ فِيهِ، فَإِذَا بُشِّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُصُولِهِ عَظُمَ فَرَحُهُ وَسُرُورُهُ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْفَرَحُ الْقَوِيُّ كَالْمُدْهِشِ لَهُ وَالْمُزِيلِ لِقُوَّةِ فَهْمِهِ وَذَكَائِهِ فَلَعَلَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ مُضْطَرِبَةٍ فِي ذَلِكَ الْفَرَحِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ أَيْضًا: إِنَّهُ يَسْتَطِيبُ تِلْكَ الْبِشَارَةَ فَرُبَّمَا يُعِيدُ السُّؤَالَ لِيَسْمَعَ تِلْكَ الْبِشَارَةَ مَرَّةً أُخْرَى وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ طَلَبًا لِلِالْتِذَاذِ بِسَمَاعِ تِلْكَ الْبِشَارَةِ، وَطَلَبًا لِزِيَادَةِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْوُثُوقِ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [الْبَقَرَةِ: ٢٦٠] وَقِيلَ أَيْضًا: اسْتَفْهَمَ أَبِأَمْرِ اللَّهِ تُبَشِّرُونِ أَمْ مِنْ عِنْدِ أنفسكم واجتهادكم؟
المسألة الثانية: قرأ نافع: تبشرون بِكَسْرِ النُّونِ خَفِيفَةً فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِهَا. وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ خَفِيفَةً، أَمَّا الْكَسْرُ وَالتَّشْدِيدُ فَتَقْدِيرُهُ تُبَشِّرُونَنِي أُدْغِمَتْ نُونُ الْجَمْعِ فِي نُونِ الْإِضَافَةِ، وَأَمَّا الْكَسْرُ وَالتَّخْفِيفُ فَعَلَى حَذْفِ نُونِ الْجَمْعِ اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ وَطَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَذَفَ نَافِعٌ الْيَاءَ مَعَ النُّونِ. قَالَ: وَإِسْقَاطُ الْحَرْفَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَرْفًا وَاحِدًا وَهِيَ النُّونُ الَّتِي هِيَ عَلَامَةٌ لِلرَّفْعِ. وَعَلَى أَنَّ حَذْفَ الْحَرْفَيْنِ جَائِزٌ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ: وَلا تَكُ وَفِي مَوْضِعٍ:
وَلا تَكُنْ فَأَمَّا فَتْحُ النُّونِ فَعَلَى غَيْرِ الْإِضَافَةِ وَالنُّونُ عَلَامَةُ الرَّفْعِ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ أَبَدًا، وَقَوْلُهُ: بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ بِمَا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَضَى أَنْ يُخْرِجَ مِنْ صُلْبِ إِبْرَاهِيمَ إسحاق عليه السلام. ويخرج من صلب إسحاق مِثْلَ مَا أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ فَإِنَّهُ تعالى بشر بأنه يخرج من صلب إسحاق أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَوْلُهُ: بِالْحَقِّ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ نَهْيٌ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْقُنُوطِ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا أَنَّ نَهْيَ الْإِنْسَانِ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَنْهِيِّ فَاعِلًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ [الْأَحْزَابِ: ١] ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: هَذَا الْكَلَامُ حَقٌّ، لِأَنَّ الْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْجَهْلِ بأمور:

صفحة رقم 151
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية