آيات من القرآن الكريم

كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ
ﮰﮱﯓﯔﯕ

و «سلك الشيء» أي: أدخله، كما نُدخِل الخيط في ثقب الإبرة.
والحق سبحانه يقول: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين﴾ [المدثر: ٤٢ - ٤٣]
أي: ما أدخلكم في النار؛ فتأتي إجابتهم: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ المصلين﴾ [المدثر: ٤٣]
وهنا يقول الحق سبحانه: ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المجرمين﴾ [الحجر: ١٢]

صفحة رقم 7657

أي: كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء في قلوب شيع الأولين، كذلك نُدخِله في قلوب المجرمين.
يعني: مشركي مكّة، لأنهم أدخلوا أنفسهم في دائرة الشرك التي دعتهم إلى هذا الفعل، فنالوا جزاءَ ما فعلوا مثل ما سبق من أقوام مثلهم؛ وقد يجد من تلك القلوب تصديقاً يكذبونه بألسنتهم، مثلما قال الحق سبحانه: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ... ﴾ [النمل: ١٤]
فهم أمة بلاغة ولغةٍ وبيانٍ؛ وقد أثّر فيهم القرآن بحلاوته وطلاوته؛ ولكنه العناد، وها هو واحد منهم يقول:
«إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لَمُثمِر، وإن أسفله لمغدق».
لقد قال ذلك كافر بالرسول والرسالة.
ونعلم أن الذين استمعوا إلى القرآن نوعان؛ والحق سبحانه هو القائل عن أحدهما: ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ﴾ [محمد: ١٦]
أي: أن قوله لا يعجبهم وما يتلوه عليهم لا يستحق السماع، فقال الحق سبحانه رداً عليهم:

صفحة رقم 7658

﴿... قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤]
وهي مسألة كما أقول دائماً تتعلق بالقابل الذي يستقبل الحدث؛ إما أنْ يُصفِّي قلبه ليستقبل القرآن؛ وإما أنْ يكون قلبه والعياذ بالله مُمْتلِئاً بالكفر، فلا يستقبل شيئاً من كتاب الحق.
وقد حدث أن ادخل الحق سبحانه كتبه السماوية في قلوب الأقوام السابقة على رسول الله، ولكنهم لفساد ضمائرهم وظُلْمة عقولهم؛ سخروا من تلك الكتب، ولم يؤمنوا بها.
ويَصِف الحق سبحانه هؤلاء المجرمين بقوله: ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ... ﴾

صفحة رقم 7659
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية