آيات من القرآن الكريم

لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

وأما إذا حيل في نحو هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كما قال الشاعر:
لله در اليوم من لامها وقال آخر: [الوافر]

كما خط الكتاب بكفّ يوما يهوديّ يقارب أو يزيل
والمعنى: لا تحسب يا محمد- أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم- أن الله لا ينجز ميعاده في نصره رسله، وإظهارهم، ومعاقبة من كفر بهم، في الدنيا أو في الآخرة، فإن الله عزيز لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة لا سبيل إلى عفوه عنهم.
وقوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ الآية، يَوْمَ ظرف للانتقام المذكور قبله. ورويت في «تبديل الأرض» أقوال، منها في الصحيح: أن الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي، وفي الصحيح:
أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه. وروي أنها تبدل أرضا من فضة. وروي: أنها أرض كالفضة من بياضها. وروي أنها تبدل من نار. وقال بعض المفسرين: تبديل الأرض: هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت: فهذه حال غير الأولى، وبهذا وقع التبديل.
قال القاضي أبو محمد: وسمعت من أبي رضي الله عنه: أنه روي: أن التبديل يقع في الأرض، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكون على فضة- إن صح السند بها- وفريق الكفرة يكونون على نار. ونحو هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى.
وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها. ولا سفك فيها دم، وليس فيها معلم لأحد، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش»، وروي عنه أنه قال: «الناس وقت التبديل على الصراط»، وروي أنه قال «الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه».
وبَرَزُوا مأخوذ من البراز، أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن. وقوله: الْواحِدِ الْقَهَّارِ صفتان لائقتان بذكر هذه الحال.
قوله عز وجل:
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)
الْمُجْرِمِينَ هم الكفار، ومُقَرَّنِينَ مربوطين في قرن، وهو الحبل الذي تشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر: [البسيط].

صفحة رقم 347

والْأَصْفادِ الأغلال، واحدها: صفد، يقال: صفده وأصفده وصفده: إذا غلله، والاسم:
الصفاد، ومنه قول سلامة بن جندل: [الوافر]

وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
وزيد الخيل قد لاقى صفادا يعض بساعد وبعظم ساق
وكذلك يقال في العطاء، و «الصفد» العطاء، ومنه قول النابغة.
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد.
و «السرابيل» : القمص، و «القطران» هو الذي تهنأ به الإبل، وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه، ويقال: «قطران» بفتح القاف وكسر الطاء، ويقال: «قطران» بكسر القاف وسكون الطاء، ويقال: «قطران» بفتح القاف وسكون الطاء.
وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف، وابن عباس وأبو هريرة وعلقمة وسنان بن سلمة وعكرمة وابن سيرين وابن جبير والكلبي وقتادة وعمرو بن عبيد «من قطر آن» و «القطر» :
القصدير، وقيل: النحاس. وروي عن عمر أنه قال: ليس بالقطران ولكنه النحاس يسر بلونه. و «آن» وهو الطائب الحار الذي قد تناهى حره قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره. وقال ابن عباس المعنى: أنى أن يعذبوا به.
وقرأ جمهور الناس «وجوههم» بالنصب، «النار» بالرفع. وقرأ ابن مسعود «وجوههم» بالرفع. «النار» بالنصب. فالأولى على نحو قوله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [الليل: ١] فهي حقيقة الغشيان، والثانية على نحو قول الشاعر: [الكامل]
يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل
فهي بتجوز في الغشيان، كأن ورود الوجوه على النار غشيان.
وقوله: لِيَجْزِيَ أي لكي يجزي، واللام متعلقة بفعل مضمر، تقديره: فعل هذا، ونفذ هذا العقاب على المجرمين ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته. وجاء من لفظة الكسب بما يعم المسيء والمحسن، لينبه على أن المحسن أيضا يجازي بإحسانه خيرا.
وقوله: سَرِيعُ الْحِسابِ أي فاصله بين خلقه بالإحاطة التي له بدقيق أمرهم وجليلها. لا إله غيره، وقيل لعلي بن أبي طالب: كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد.
وقوله: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ الآية، إشارة إلى القرآن والوعيد الذي يتضمنه ووصفه بالمصدر في قوله: بَلاغٌ والمعنى: هذا بلاغ للناس وهو لينذروا به.
وقرأ جمهور الناس «ولينذروا» بالياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول. وقرأ يحيى بن عمارة وأحمد بن يزيد بن أسيد: «لينذروا به» بفتح الياء والذال كقول العرب: نذرت بالشيء إذا أشعرت وتحرزت منه وأعددت وروي أن قوله: وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

صفحة رقم 348
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية