آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

(وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) أي ويخلق فيهم الضلال عن الحق الذي ثبّت المؤمنين عليه بحسب إرادتهم واختيارهم، لسوء استعدادهم وميلهم مع شهوات النفوس وتدسيتها بصنوف الشرور والمعاصي، سنة الله فى عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والمراد بالظالمين هنا الكفار، لأنهم ظلموا أنفسهم بتبديلهم فطرة الله التي فطر الناس عليها وعدم اهتدائهم إلى القول الثابت.
أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما «إن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره، فإذا دخل قبره أقعد فقيل له من ربك؟ لم يرجع إليهم شيئا وأنساه الله تعالى ذكر ذلك، وإذا قيل له من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له ولم يرجع إليه شيئا، فذلك قوله تعالى: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) ».
(وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ) أي وبيده تعالى الهداية والإضلال بحسب ما تقتضيه سننه العامة التي سنها فى عباده، بحسب استعداد النفوس وقبولها لكل منهما، فلا تنكروا قدرته على اهتداء من كان ضالا ولا ضلال من كان منكم مهتديا، فإن بيده تصريف خلقه، وتقليب قلوبهم، يفعل فيهم ما يشاء.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٨ الى ٣١]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١)
تفسير المفردات
البوار: الهلاك، يقال رجل بائر وقوم بور كما قال: «وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً» ويصلونها: يقاسون حرها، والأنداد: واحدهم ندّ وهو المثل والشبيه، والمصير: المرجع، والبيع: الفدية، والخلال: المخالّة والصداقة.

صفحة رقم 151

المعنى الجملي
بعد أن ضرب عز اسمه الأمثال بيانا لحالى الفريقين، وذكر ما يلهمه من التوفيق فى الدارين للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال، جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة.
ذكر هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجبا رسوله مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظّ من الكفر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خصّيصى بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعا «واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة».
ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرا، والشكر جحدا وإنكارا، وليت البليّة كانت واحدة بل أضافوا إليها أخرى فاتخذوا الله الأنداد والشركاء، ثم ثلّثوا بإضلال غيرهم فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة:

فلو كان همّ واحد لا حتملته ولكنه هم وثان وثالث
ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم فى جهنم وبئس المصير ثم بين لرسوله أن مثل هؤلاء لا تجدى فيهم العظة، فذرهم يتمتعوا فى هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.
وبعد أن أمر الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة فى التمتع بها، والجد فى مجاهدة النفس والهوى، ببذل النفس والمال فى كل ما يرفع شأنهم، ويقرّبهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه فى يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة: «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم».
أخرج عطاء عن ابن عباس أن هؤلاء هم كفار مكة.
وأخرج الحاكم وابن جرير والطبراني وغيرهم عن على كرم الله وجهه أنه قال فى هؤلاء المبدّلين: هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله تعالى دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.

صفحة رقم 152

الإيضاح
عدّد سبحانه الأسباب التي أوقعت هؤلاء الأشقياء ومن شايعهم فى سوء المنقلب وحصرها فى ثلاثة:
(١) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً) أي ألم تعلم وتعجب من قوم بدّلوا شكر النعمة غمطا لها وجحودا بها، كأهل مكة الذين أسكنهم الله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء وجعلهم قوّام بيته، وشرّفهم بإرسال رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم من بينهم، فكفروا بتلك النعمة فأصابهم الجدب والقحط سبع سنين دابا وأسروا يوم بدر، وصفّدوا فى السلاسل والأغلال، وقتل منهم العدد العديد من صناديدهم ورجالاتهم ممن كانوا يضنّون بهم ويحتفظون بمواضعهم ليوم كريهة وسداد ثغر.
(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) أي وأحلوا من شايعهم على الكفر دار الهلاك الذي لاهلاك بعده.
ثم بين هذه الدار فقال:
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) أي هذه الدار هى جهنم دار العذاب التي يقاسون حر نارها، وبئس المستقر هى لمن أراد الله به النكال والوبال.
(٢) (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أي واتخذوا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شىء- أندادا وشركاء من الأصنام والأوثان، أشركوهم به فى العبادة كما قالوا فى الحجّ: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
(٣) (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) أي لتكون عاقبة أمر الذين شايعوهم على ضلالهم، الصدّ والإعراض عن سبيله القويم ودينه الحنيف، والوقوع فى حمأة الكفر والضلال.
ولما حكى الله عنهم هذه الهنات الثلاث، تبديل النعمة، واتخاذ الأنداد والأمثال، وإضلال قومهم، أمر نبيه أن يقول لهم على سبيل التهديد والوعيد: سيروا على ما أنتم عليه، فإنه لا فائدة فى نصحكم وإرشادكم والعاقبة النار.

صفحة رقم 153

(قُلْ تَمَتَّعُوا) أي تمتعوا بما أنتم فيه سادرون مما سيؤدى بكم إلى مهاوى الهلاك، من الكفران وعبادة الأوثان والأصنام والسعى فى إضلال الناس والصد عن سبيله.
ثم بين جزاءهم المحتوم فقال:
(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أي إن مرجعكم وموئلكم إليها كما قال: «نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ» وسمى الله تعالى ذلك تمتعا، لأنهم تلذذوا به، وأحسوا بغبطة وسرور كما يتلذذون بالمشتهيات من النعم، وهذا الأسلوب التهكمى يستعمل فى التخاطب كثيرا فترى الطبيب يأمر مريضه بالاحتماء من بعض ما يضره ويؤذيه، ثم لا يرى منه إلا تماديا فى الإعراض عن أوامره، واتباعا لشهواته فيقول له:
كل ما تريد، فإن مصيرك إلى الموت، وما مراده من ذلك إلا التهديد ليرتدع ويقبل ما يقول. وكما يقال لمن سعى فى مخالفة السلطان: اصنع ما شئت، فإن مصيرك إلى السيف.
وبعد أن هدد الكفار على انغماسهم فى اللذات، أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يأمر خلّص عباده بإقامة العبادات البدنية، وأداء الفرائض المالية فقال:
(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي قل لهم:
أقيموا الصلاة على وجهها، وأدوها كما طلب ربكم، فهى عماد الدين، وهى التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهى المصباح للمؤمن يستضىء به للقرب من ربه، وأدوا الزكاة شكرا له على نعمه الجزيلة، رأفة بعباده الفقراء سدا لخلتهم وإيجادا للتضامن والتعاون بين الإخوة فى الدين: «إنّما المؤمنون إخوة».
(سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي أنفقوا ذلك فى السر والعلن، ولكل منهما حال تستحب فيها وقد تقدم القول فى تفصيل ذلك.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) أي من قبل أن يأتى اليوم الذي لا تنفع فيه فدية، ولا تجدى فيه صداقة، فلا يشفع خليل ولا يصفح، عن عقابه لمخالّته لصديقه، بل هناك العدل والقسط كما قال: «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ

صفحة رقم 154
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية