آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

سورة إبراهيم عليه السلام
مكية حكاه القرطبي في تفسيره عن الحسن وعكرمة إلا آيتين منها قوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ إلى قوله: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية.
وهي امتداد لما في سورة الرعد، وتوضيح لما أجمل فيها أو اختصار لما وضح في سابقتها، ألا ترى أن كلا منهما تكلم عن القرآن وعن الآيات الكونية، وإثبات البعث.
وضرب الأمثال للحق والباطل، والكلام على مكر الكفار وعاقبته إلى آخر ما في السورة.
نعمة إنزال القرآن وإرسال النبي وأثرهما [سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)

صفحة رقم 243

المفردات:
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بتيسيره وتسهيله وَوَيْلٌ الويل الهلاك والعذاب يَسْتَحِبُّونَ يؤثرونها لمحبتهم لها يَبْغُونَها عِوَجاً يطلبون لها زيغا وميلا.
استفتاح لسورة إبراهيم موافق لأغلب السور المكية التي بدأت بذكر حروف تنطق بمسمياتها هكذا ألف لام. را، وفي السورة ذكر للقرآن وإثبات للتوحيد والبعث، وذكر لبعض القصص.
المعنى:
هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد لتخرج الناس من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية، أخرج القرآن الكريم بما فيه من أصول الحكم الصحيح السليم، وأسس العمران والحياة الكريمة والمدنية الفاضلة التي هي أمنية الفلاسفة قديما، وحاول الإتيان بها الأنبياء والرسل السابقون، أخرج الناس من الظلمات التي كانت تغشاهم والجهالات والضلالات إلى نور الدين والحق والفضيلة والمجتمع الكامل!.
أخرجتهم يا محمد بدعوتك وهدايتك وبشارتك وإنذارك بأمر الله وإذنه وتسهيله وتيسيره ولطفه وتوفيقه، وأسند الفعل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه الداعي والهادي إلى ذلك، أخرجتهم من الظلمات إلى النور الذي هو صراط الله العزيز الحميد، وصراطه شرعه لعباده وطريقه المستقيم الذي لا عوج فيه ولا نقص لأنه صراط العزيز الذي لا يغلب ولا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، الكامل في استحقاق الحمد والمحمود في الأرض وفي السماء الذي له ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف ١٥٨] ثم توعد من لم يعترف بربوبيته ووصفه بهذه الأوصاف، وكفر بالقرآن والوحى فقال: الويل والهلاك للكافرين الجاحدين.. يولولون ويضجون من العذاب الشديد الذي صاروا فيه، الكافرون الذين يستحبون ويفضلون الحياة الدنيا على الآخرة بل رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وهم عن الآخرة هم عنها غافلون، وهم الذين يصدون عن سبيل الله كل من أراد الإسلام، ويصرفونه عنه، ويبغون لسبيل الله عوجا وميلا، لموافقة أهوائهم وأغراضهم.

صفحة رقم 244

أولئك المذكورون الموصوفون بتلك الصفات القبيحة في ضلال بعيد الغور سحيق القاع.
ولما من على الناس بإنزال القرآن وهدايته وأثره بين لهم أن من كمال النعمة أن كل رسول يكون بلغة قومه.
وما أرسلنا من رسول إلا كان بلسان قومه وبلغتهم ليبين لهم شرعه ويوضحه بلسانهم ولهجتهم وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ «١» وذلك حتى لا يكون على الله حجة، وهنا يظهر سؤال: إذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل للناس جميعا قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «٢» فإذا قطعت الحجة عند العرب فغيرهم يقولون: لم نفهم ما قال، ولم نع كتابه، وهلا نزل بالألسنة كلها حتى يتسنى خطابه للكل.
والجواب: أن نزوله بكل لغة لا حاجة له لأن الترجمة تكفى في ذلك ولو كتب بكل لغة لتعددت أساليبه وألفاظه وتعددت طبعا معانيه، وذلك يؤدى إلى الطعن فيه كما حصل للكتب السماوية الأخرى، ولأصبح لكل أمة قرآن يدعو إلى غير ما يدعو إليه الثاني ضرورة اختلاف اللغات في الصياغة والدلالة على المعنى، بقي لماذا اختار الله العربية لغة القرآن؟ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإن كانت رسالته إلى الثقلين لكن لما كان العرب قومه وكانوا أخص به وأقرب، وقد تهيأت الظروف كلها لظهور دينه ورسالته في جزيرة العرب فكانت لغتهم أولى حتى لا تكون لهم حجة في تكذيبه فإنه واحد منهم ونشأ بينهم ويتكلم بلغتهم فإذا فهموا دينه وصدقوا به وأسلموا كانوا هم الدعاة والمترجمين في جميع الآفاق ولكل اللغات، وقد كان ذلك كذلك.
وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها ومع ذلك فإن المضل والهادي هو الله- عز وجل-، والبيان لا يوجب الهداية إلا إذا جعله الله سببا فيها: وهو العزيز الذي لا يغلب الحكيم في كل أفعاله.

(١) سورة فصلت الآية ٤٤.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٨.

صفحة رقم 245
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية