آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

(وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) أي وفيها نخيل صنوان يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها، وغير صنوان أي متفرقات مختلفة الأصول.
(يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) أي يسقى كل ما ذكر من القطع والجنات والزرع والنخيل بماء واحد لا اختلاف فى طبعه، ومع وجود أسباب التشابه نفضّل بمحض القدرة بعضا منها على بعض فى الثمرات شكلا وقدرا، ورائحة وطعما، وحلاوة وحموضة.
ثم بين أن مثل هذا لا يفكر فيه إلا من أوتى العقل الذي يفكر فى المقدمات والنتائج، والأسباب والمسببات فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي إن فيما فصّل من الأحوال السالفة لآيات باهرة لقوم يعملون على قضية العقل، فمن ير خروج الثمار المختلفة الأشكال والألوان والطعوم والروائح فى تلك البقاع المتلاصقة، مع أنها تسقى بماء واحد وتتشابه وسائل نموها- يجزم حتما بأن لذلك صانعا حكيما قادرا مدبرا لا يعجزه شىء، وكذلك يعتقد بأن من قدر على إنشاء ذلك، فهو قادر على إعادة ما بدأه أول مرة، بل هو أهون منه لدى النظر والاعتبار.
إنكار المشركين للبعث والنبوة
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٥ الى ٧]
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧)

صفحة رقم 68

تفسير المفردات
العجب: تغير النفس حين رؤية ما يستبعد فى مجرى العادة، والأغلال: واحدها غلّ، وهو طوق من الحديد طرفاه فى اليدين ويحيط بالعنق، والمثلات (بفتح فضم) واحدها مثلة (بفتح فضم) كسرة وهى العقوبة التي تترك فى المعاقب أثرا قبيحا كصلم أذن أو جدع أنف أو سمل عين، والغفر: الستر بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة، والمراد بالآية هنا الآيات الحسية كقلب عصا موسى حية وناقة صالح، والإنذار:
التخويف، والهادي: القائد الذي يقود الناس إلى الخير كالأنبياء والحكماء والمجتهدين.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر إنكارهم لوحدانيته تعالى مع وضوح الأدلة على ذلك، من خلق السموات بلا عمد وتسخير الشمس والقمر يجريان إلى أجل مسمى ومن مد الأرض وإلقاء الجبال الرواسي فيها إلى آخر ما ذكر من الآيات الدالة على عظيم قدرته وبديع صنعه لمن يتأمل ويتفكر فى ذلك الملكوت العظيم- ذكر هنا إنكارهم للبعث والنشور على وضوح طريقه وسطوع دليله قياسا على ما يرون ويشاهدون، فإن من قدر على خلق السموات والأرض وسائر العوالم على هذا النحو الذي يحار الإنسان فى الوصول إلى معرفة كنهه لا يعجز عن إعادته فى خلق جديد كما قال تعالى:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟».

صفحة رقم 69

الإيضاح
(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟) أي وإن تعجب من عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع من الأصنام والأوثان بعد أن قامت الأدلة على التوحيد، فأعجب منه تكذيبهم بالبعث واستبعادهم إياه بقولهم:
(أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟) أي أئذا فنينا وبلينا نعاد بعد العدم، مع أنهم لا ينكرون قدرته تعالى على إيجادهم بداءة ذى بدء وتصويرهم فى الأرحام وتدبير شئونهم حالا بعد حال.
وقد تكرر هذا الاستفهام فى أحد عشر موضعا فى تسع سور من القرآن:
فى الرعد، والإسراء، والمؤمنون، والنحل، والعنكبوت، والسجدة، والصافات، والواقعة، والنازعات! وكلها تتضمن كمال الإنكار وعظيم الاستبعاد.
ثم وصف أولئك المنكرين للبعث فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) أي أولئك الذين جحدوا قدرة ربهم وكذبوا رسوله على ما عاينوا من آياته الكبرى التي ترشدهم إلى الإيمان وتهديهم سبيل الرشاد لو كانوا يبصرون- هم الذين تمادوا فى عنادهم وكفرهم، فإن إنكار قدرته تعالى إنكار له لأن الإله لا يكون عاجزا.
(وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) أي وأولئك مقيدون بسلاسل وأغلال من الضلال تصدهم عن النظر فى الحق واتباع طريق الهدى والبعد عن الهوى كما قال:

كيف الرشاد وقد خلّفت فى نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وقد يكون المعنى- إنهم يوم القيامة عند العرض للحساب توضع الأغلال فى أعناقهم كما يقاد الأسير الذليل بالغل، ويؤيده قوله تعالى: «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ».
(وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي وأولئك هم الماكثون فى النار دار

صفحة رقم 70

الذل والهوان لا يتحولون عنها ولا يبرحونها كفاء ما سولت لهم أنفسهم من سىء الأعمال وما اجترحوا من الموبقات والشرور والآثام: «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ».
وبعد أن ذكر تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلّم فى إنكار عذاب يوم القيامة ذكر جحودهم لعذاب الدنيا الذي أوعدهم به، وكانوا كلما هددهم بالعذاب قالوا له جئنا به وطلبوا منه إنزاله، وهذا ما أشار إليه بقوله:
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) أي ويستعجلونك بالعقوبة التي هددوا بها إذا هم أصروا على الكفر استهزاء وتكذيبا كما حكى الله عنهم فى قوله: «وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ» وفى قوله «وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ» وفى قوله «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ».
(قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي قبل الثواب والسلامة من العقوبة، وكان صلى الله عليه وسلّم يعدهم على الإيمان بالثواب فى الآخرة وحصول النصر والظفر فى الدنيا.
(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أي ويستعجلونك بذلك مستهزئين بإنذارك منكرين وقوع ما تنذرهم به، والحال أنه قد مضت العقوبات الفاضحة النازلة على أمثالهم من المكذبين المستهزئين، فمن أمة مسخت قردة، وأخرى أهلكت بالرجفة، وثالثة أهلكت بالخسف إلى نحو أولئك.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) أي وإن ربك لذو عفو وصفح عن ذنوب من تاب من عباده فتارك فضيحته بها فى يوم القيامة، ولولا حلمه وعفوه لعاجلهم بالعقوبة حين اكتسابها كما قال «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ».
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن يجترح السيئات وهو متماد فى غوايته سادر

صفحة رقم 71

فى آثامه، وقد يعجل له قسطا منه فى الدنيا ويكون جزاء له على ما سولت له نفسه كما يشاهد لدى المدمنين على الخمور من اعتلال وضعف ومرض مزمن وفقر مدقع وذل وهوان بين الناس، وفى المقامرين من خراب عاجل وإفلاس فى المال والذل بعد العز، وربما اقتضت حكمته أن يؤجل له ذلك إلى يوم مشهود يوم يقوم الناس لرب العالمين فيستوفى قطّه هناك نارا تكوى بها الجباه والجنوب، وتبدل الجلود غير الجلود، وقد قرن المغفرة بالعقاب فى مواضع كثيرة من الكتاب الكريم ليعتدل الرجاء والخوف كقوله «إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» وقوله «نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ» إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الخوف والرجاء.
روى ابن أبى حاتم عن سعيد بن المسيّب قال: لما نزلت هذه الآية (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) إلخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيده وعقابه لا تكل كل واحد».
وبعد أن ذكر طعنهم فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم لقوله بالحشر والمعاد، ثم طعنهم فيه لأنه أنذرهم بحلول عذاب الاستئصال ذكر أنهم طعنوا فيه، لأنه لم يأت لهم بمعجزة مبيّنة كما فعل الرسل من قبله فقال:
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي ويقول الذين كفروا تعنتا وجحودا: هلا يأتينا بآية من ربه كعصا موسى وناقة صالح، فيجعل لنا الصفا ذهبا ويزيح عنا الجبال ويجعل مكانها مروجا وأنهارا، وقد طلبوا ذلك ظنا منهم أن القرآن كتاب كسائر الكتب لا يدخل فى باب المعجزات التي أتى بها الرسل السالفون.
وقد رد الله عليهم الشبهة بقوله فى آية أخرى «وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ» أي إن سنتنا أن الآيات إن لم يؤمن بها من طلبوها أهلكناهم بذنوبهم، ولم نشأ أن يحل بكم عذاب الاستئصال.

صفحة رقم 72
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية