آيات من القرآن الكريم

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ

أو آمنوا.
ثم أعلم اللَّه أن بَيانَ ما وُعِدُوا به قد ظهر وتبيَّنَ فقال عزَّ وجلَّ:
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١)
أي أو لم يروا أنا قد فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم.
ودليل هذا القول قوله عزَّ وجلَّ في موضع آخر:
(أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (٤٤).
وقيل في تفسير هذه الآية ما وصفنا، وقيل غير قولٍ.
قيل نَقْصُها من أطرافها موتُ أهلها، ونقص ثمارها.
وقيل ننقصها من أطرافها بموت العلماء.
والقول الأول بين.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)
(وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ).
وقُرِئت: وَسَيَعْلَمُ الكافِر، ومعنى الكفار والكافر ههنا وَاحِدٌ.
الكافر اسم للجنس، كما تقول قد كثرت الدراهم في أيدي الناس.
وقد كثر الدِّرْهَمُ في أيدِي الناس..
وقرأ بعضهم وسيَعلم الكافرون، وبعضهم وسيعلم الذين كفروا.
وهاتان القراءتان لا تجوزان لمخالفتهما المصحفَ المجمعَ عليه.
لأن القراءة سُنَّة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣)
(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
الباء في موضع رفع مع الاسم، المعنى كفى الله شَهِيدًا، وشَهِيدًا
مَنْصُوبٌ على التمييز.
(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ).
و" مَن " يعود على الله عَزَّ وجَلَّ، وقيل في التفسير يعنى به عبد الله بن سلام

صفحة رقم 151

وقيل ابن يامين، والذي يدل على أنه راجع إلى اللَّه عزَّ وجلَّ - قراءة
من قرأ (ومِنْ عِنْدِه) علمُ الكتابُ، ومن عنده علم الكتاب لأن الأشبه، واللَّهُ
أعلم - أن اللَّه لا يَسْتَشْهِدُ على خلقه بغيْره.
وذلك التفسير جائز لأن البراهين إذا قامَتْ مع اعتراف من قرأ الكتب
التي أنزلت قبل القرآن فهو أمرٌ مُؤكدٌ (١).

(١) قال السَّمين:
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾: العامَّة [على فتح ميم] «مَنْ»، وهي موصولةٌ، وفي محلِّها أوجهٌ، أحدُها: أنها مجرورةُ المحلِّ نَسَقاً على لفظ الجلالةِ، أي: بالله وبمَنْ عنده عِلْمُ الكتابِ كعبد الله بن سلام ونحوِه. والثاني: أنها في محلِّ رفعٍ عطفاً على محل [الجلالة، إذ هي] فاعلةٌ، والباءُ زائدةٌ فيها. الثالث: أن يكونَ مبتدأً، وخبرُه محذوف، أي: ومَنْ عنده عِلْم الكتاب أَعْدَلُ وأمضى قولاً.
و ﴿عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ يجوز أن يكونَ الظرفُ صلةً، و «عِلْمُ» فاعلٌ به. واختاره الزمخشري، وتقدَّم تقريرُه، وأن يكونَ مبتدأً وما قبله الخبرُ، والجملةُ صلةٌ ل «مَنْ».
والمراد بمَنْ عنده عِلْمُ الكتاب: إمَّا ابنُ سَلام أو جبريلُ أو اللهُ تعالى. قال ابن عطية: «ويُعْتَرض هذا القولُ بأنَّ فيه عطفَ الصفة على الموصوف ولا يجوز، وإنما تُعْطَفُ الصفاتُُ». واعترض الشيخُ عليه بأنَّ «مَنْ» لا يُوصَفُ بها ولا بغيرِها من الموصولات إلاَّ ما اسْتُثْني، وبأنَّ عطفَ الصفاتِ بعضِها على بعض لا يجوز إلا بشرطِ الاختلاف.
قلت: ابن عطية إنما عَنَى الوصفَ المعنويَّ لا الصناعيَّ، وأمَّا شرطُ الاختلافِ فمعلومٌ.
وقرأ عليٌّ وأُبَيٌّ وابنُ عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن ابن أبي بكرة والضحاك وابن أبي إسحاق ومجاهد في خَلْق كثير ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ جعلوا «مِنْ» حرفَ جرّ، و «عندِه» مجرورٌ بها، وهذا الجارُّ هو خبرٌ مقدَّمٌ، و «عِلْم» مبتدأ مؤخر. وقرأ عليٌّ أيضاً والحسن وابن السَّمَيْفع ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ يجعلون «مِنْ» جارَّةً، و «عُلِمَ» مبنياً للمفعول، و «الكتابُ» رفعٌ به. وقُرئ كذلك إلاَّ انه بتشديد «عُلِّم». والضمير في «عنده» على هذه القراءاتِ لله تعالى فقط. وقُرئَ أيضاً «وبمَن» بإعادةِ الباءِ الداخلةِ على الجلالة. اهـ (الدر المصون).

صفحة رقم 152
معاني القرآن وإعرابه للزجاج
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، الزجاج
تحقيق
عبد الجليل عبده شلبي
الناشر
عالم الكتب - بيروت
سنة النشر
1408
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية