قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) : مُبْتَدَأٌ وَ (طُوبَى لَهُمْ) : مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا ; فَيَكُونُ «طُوبَى» لَهُمْ حَالًا مُقَدَّرَةً، وَالْعَامِلُ فِيهَا آمَنُوا وَعَمِلُوا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الَّذِينَ» بَدَلًا مِنْ (مَنْ أَنَابَ) [الرَّعْدُ: ٢٧]، أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «طُوبَى» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ جَعَلَ.
وَوَاوُهَا مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءٍ ; لِأَنَّهَا مِنَ الطِّيبِ، أُبْدِلَتْ وَاوًا لِلضَّمَّةِ قَبْلَهَا.
وَ (حُسْنُ مَآبٍ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ النُّونِ وَالْإِضَافَةِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «طُوبَى» إِذَا جَعَلْتَهَا مُبْتَدَأً.
وَقُرِئَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْإِضَافَةِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى طُوبَى فِي وَجْهِ نَصْبِهَا.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِفَتْحِ النُّونِ وَرَفْعِ مَآبٍ، وَ «حَسُنَ» عَلَى هَذَا فِعْلٌ نُقِلَتْ ضَمَّةُ سِينِهِ إِلَى الْحَاءِ ; وَهَذَا جَائِزٌ فِي فَعُلَ إِذَا كَانَ لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ.
قَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ) : التَّقْدِيرُ: الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرْنَاكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا) : جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ ; أَيْ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جَوَابُهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ; أَيْ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا، عَلَى الْمُبَالَغَةِ.
(أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) : الْوَجْهُ فِي حَذْفِ التَّاءِ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ مَعَ إِثْبَاتِهَا فِي الْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ أَنَّ الْمَوْتَى يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُذَكَّرِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّغْلِيبِ لَهُ ; فَكَانَ حَذْفُ التَّاءِ أَحْسَنَ، وَالْجِبَالُ وَالْأَرْضُ لَيْسَا كَذَلِكَ.
(أَنْ لَوْ يَشَاءُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَيْأَسْ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ وَيَعْلَمْ؟.
(أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا) : فَاعِلُ «تَحُلُّ» ضَمِيرُ الْقَارِعَةِ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْخِطَابِ ; أَيْ أَوْ تَحُلُّ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ قَرِيبًا مِنْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ ; فَيَكُونُ مَوْضِعُ الْجُمْلَةِ نَصْبًا، عَطْفًا عَلَى تُصِيبُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «كَسَبَتْ»، أَيْ وَبِجَعْلِهِمْ شُرَكَاءَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
(وَصُدُّوا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الصَّادِ ; أَيْ وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ، وَبِضَمِّهَا ; أَيْ وَصَدَّهُمُ الشَّيْطَانُ أَوْ شُرَكَاؤُهُمْ ; وَبِكَسْرِهَا ; وَأَصْلُهَا صُدِدُوا بِضَمِّ الْأَوَّلِ، فَنُقِلَتْ كَسْرَةُ الدَّالِ إِلَى الصَّادِ.
قَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ) : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مَثَلُ الْجَنَّةِ ; فَعَلَى هَذَا (تَجْرِي) : حَالٌ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ فِي «وُعِدَ» أَيْ وُعِدَهَا مُقَدَّرًا جَرَيَانُ أَنْهَارِهَا.