آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

الْمُرَادُ إِلَى مُسْتَقَرِّهِمَا وَهُوَ تَحْتَ الْعَرْشِ مِمَّا يَلِي بَطْنَ الْأَرْضِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُمَا وَسَائِرُ الْكَوَاكِبِ إِذَا وَصَلُوا هُنَالِكَ يَكُونُونَ أَبْعَدَ مَا يَكُونُ عَنِ الْعَرْشِ، لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ قُبَّةٌ مِمَّا يَلِي الْعَالَمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ بِمُحِيطٍ كَسَائِرِ الأفلاك، لأن لَهُ قَوَائِمُ وَحَمَلَةٌ يَحْمِلُونَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَذَكَرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ وَأَعْظَمُ مِنَ الثَّوَابِتِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ سَخَّرَ هَذِهِ، فَلِأَنْ يُدْخُلُ فِي التَّسْخِيرِ سَائِرُ الْكَوَاكِبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، كَمَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فُصِّلَتْ: ٣٧] مَعَ أنه صَرَّحَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [الْأَعْرَافِ: ٥٤]. وَقَوْلُهُ: يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ أَيْ يُوَضِّحُ الْآيَاتِ وَالدَّلَالَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما بدأه.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣ الى ٤]
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْكَامِهِ لِلْعَالَمِ السُّفْلِيِّ، فَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ أَيْ جَعَلَهَا مُتَّسِعَةً مُمْتَدَّةً فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَأَرْسَاهَا بِجِبَالٍ رَاسِيَاتٍ شَامِخَاتٍ، وَأَجْرَى فِيهَا الْأَنْهَارَ وَالْجَدَاوِلَ والعيون، ليسقي مَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الثَّمَرَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْكَالِ وَالطَّعُومِ وَالرَّوَائِحِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أَيْ مِنْ كُلِّ شَكْلٍ صِنْفَانِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أَيْ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا يَطْلُبُ الْآخَرَ طَلَبًا حَثِيثًا، فَإِذَا ذَهَبَ هَذَا غَشِيَهُ هَذَا، وَإِذَا انْقَضَى هَذَا جَاءَ الْآخَرُ، فَيَتَصَرَّفُ أَيْضًا في الزمان كما يتصرف فِي الْمَكَانِ وَالسُّكَّانِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي في آلاء الله وحكمه وَدَلَائِلِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أَيْ أراض يجاور بَعْضُهَا بَعْضًا، مَعَ أَنَّ هَذِهِ طَيِّبَةٌ تُنْبِتُ ما ينفع النَّاسُ وَهَذِهِ سَبَخَةٌ مَالِحَةٌ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، هَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وغير واحد. ويدخل فِي هَذِهِ الْآيَةِ اخْتِلَافُ أَلْوَانِ بِقَاعِ الْأَرْضِ، فَهَذِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ، وَهَذِهِ بَيْضَاءُ، وَهَذِهِ صَفْرَاءُ، وَهَذِهِ سَوْدَاءُ، وَهَذِهِ مُحَجَّرَةٌ، وَهَذِهِ سَهْلَةٌ، وَهَذِهِ مُرَمَّلَةٌ، وَهَذِهِ سَمِيكَةٌ، وَهَذِهِ رَقِيقَةٌ، وَالْكُلُّ مُتَجَاوِرَاتٌ، فَهَذِهِ بِصِفَتِهَا، وَهَذِهِ بِصِفَتِهَا الْأُخْرَى، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ: وَجَنَّاتٌ مِنْ

صفحة رقم 369
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية