آيات من القرآن الكريم

۞ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

عَلَى يَعْقُوبَ قَالَ: هَذَا أَمْرٌ مُشَتَّتٌ يَجْمَعُهُ اللَّهُ مِنْ بَعْدُ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِي وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَسْمَاؤُهَا» هَكَذَا سَاقَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الدَّرِّ الْمَنْثُورِ، وَأَمَّا ابْنُ كَثِيرٍ فَجَعَلَ قَوْلَهُ: «فَلَمَّا قَصَّ إِلَخْ» رِوَايَةً مُنْفَرِدَةً وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهَا الحكم ابن ظهير الْفَزَارِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ وَتَرَكَهُ الْأَكْثَرُونَ. وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ: سَاقِطٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ مَوْضُوعٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً قَالَ: إِخْوَتُهُ، وَالشَّمْسُ قَالَ:
أُمُّهُ، وَالْقَمَرُ قَالَ: أَبَوْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السدّي نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ أَيْضًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ قَالَ: يَصْطَفِيكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ قَالَ: عِبَارَةُ الرُّؤْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ قَالَ: تَأْوِيلُ الْعِلْمِ وَالْحُلْمِ، وَكَانَ يُوسُفُ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ قَالَ: فَنِعْمَتُهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ: أَنْ نَجَّاهُ مِنَ النَّارِ، وَعَلَى إِسْحَاقَ: أَنْ نَجَّاهُ من الذّبح.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧ الى ١٠]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)
أَيْ لَقَدْ كانَ فِي قِصَّتِهِمْ عَلَامَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ لِلسَّائِلِينَ مِنَ النَّاسِ عَنْهَا. وَقَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ «آيَةٌ» عَلَى التَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عَلَى الْجَمْعِ، وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ الْجَمْعِ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَآيَةٌ هاهنا قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِينَ لَهُ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: أَخْبِرْنَا عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ بِالشَّامِ أَخْرَجَ ابْنَهُ إِلَى مِصْرَ فَبَكَى عَلَيْهِ حَتَّى عَمِيَ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا مَنْ يَعْرِفُ خَبَرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا وَجَّهُوا إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ يُوسُفَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي التَّوْرَاةِ. وَقِيلَ: مَعْنَى آياتٌ لِلسَّائِلِينَ عَجَبٌ لَهُمْ، وَقِيلَ: بَصِيرَةٌ، وَقِيلَ: عِبْرَةٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
وَأَسْمَاؤُهُمْ يَعْنِي إِخْوَةَ يُوسُفَ: روبيل، وهو أكبرهم، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وزيالون، وَيَشْجُرُ، وَأُمُّهُمْ لِيَا بِنْتُ لِيَانَ، وَهِيَ بِنْتُ خَالِ يَعْقُوبَ، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ سَرِيَّتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَهُمْ: دَانُ، وَنِفْتَالِي، وَجَادُ، وَآشِرُ، ثُمَّ مَاتَتْ لِيَا فَتَزَوَّجَ يَعْقُوبُ أُخْتَهَا رَاحِيلَ، فَوَلَدَتْ لَهُ يُوسُفَ، وَبِنْيَامِينَ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: إِنَّ أُمَّ يُوسُفَ اسمها رفقا، وراحيل ماتت في نِفَاسِ بِنْيَامِينَ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ يُوسُفَ إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَيْ وَقْتَ قَالُوا، وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بَكَانَ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا. وَالْمُرَادُ بَقَوْلِهِ: وَأَخُوهُ هُوَ بِنْيَامِينُ، وَخَصُّوهُ بِكَوْنِهِ أَخَاهُ مَعَ أَنَّهُمْ جَمِيعًا إِخْوَتُهُ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَوَحَّدَ الْخَبَرَ فَقَالَ: أَحَبُّ مَعَ تعدّد المبتدأ

صفحة رقم 9

لِأَنَّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَمَا فَوْقَهُ إِذَا لَمْ يُعَرَّفْ، وَاللَّامُ فِي لَيُوسُفُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذِهِ لِأَنَّهُ بَلَغَهُمْ خَبَرُ الرُّؤْيَا فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى كَيْدِهِ، وَجُمْلَةُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ فِي مَحَلِّ نَصَبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْعُصْبَةُ: الْجَمَاعَةُ، قِيلَ: وَهِيَ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مَنْ لَفْظِهَا بَلْ هِيَ كَالنَّفَرِ وَالرَّهْطِ، وَقَدْ كَانُوا عَشَرَةً إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ: لَفِي ذَهَابٍ عَنْ وَجْهِ التَّدْبِيرِ وبالترجيح لَهُمَا عَلَيْنَا وَإِيثَارِهِمَا دُونَنَا مَعَ اسْتِوَائِنَا فِي الِانْتِسَابِ إِلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ فِي دِينِهِ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً أَيْ: قَالُوا:
افْعَلُوا بِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا الْقَتْلَ، أَوِ الطَّرْحَ في أرض، أو المشير بالقتل بعضهم وَالْمُشِيرُ بِالطَّرْحِ الْبَعْضُ الْآخَرُ أَوْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَوَافَقَهُ الْبَاقُونَ، فَكَانُوا كَالْقَائِلِ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْمَقُولِ إِلَيْهِمْ، وَانْتِصَابُ أَرْضًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالتَّنْكِيرُ لِلْإِبْهَامِ أَيْ أَرْضًا مَجْهُولَةً، وَجَوَابُ الْأَمْرِ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ أَيْ يَصْفُ وَيَخْلُصُ فَيُقْبِلُ عَلَيْكُمْ وَيُحِبُّكُمْ حُبًّا كَامِلًا. وَتَكُونُوا مَعْطُوفٌ عَلَى يَخْلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَنْ. مِنْ بَعْدِهِ أَيْ مِنْ بَعْدِ يُوسُفَ، وَالْمُرَادُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ طَرْحِهِ وَقِيلَ: مِنْ بَعْدِ الذَّنْبِ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ فِي يُوسُفَ قَوْماً صالِحِينَ فِي أُمُورِ دِينِكُمْ وَطَاعَةِ أَبِيكُمْ، أَوْ صَالِحِينَ فِي أُمُورِ دُنْيَاكُمْ لِذَهَابِ مَا كَانَ يَشْغَلُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْحَسَدُ لِيُوسُفَ وَتَكَدُّرُ خَوَاطِرِكُمْ بِتَأْثِيرِهِ عَلَيْكُمْ هُوَ وَأَخُوهُ أَوِ الْمُرَادُ بِالصَّالِحِينَ:
التَّائِبُونَ مِنَ الذَّنْبِ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الْإِخْوَةِ، قِيلَ: هُوَ يَهُوذَا، وَقِيلَ: رُوبِيلُ، وَقِيلَ: شَمْعُونُ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ قِيلَ: وَوَجْهُ الْإِظْهَارِ فِي لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ اسْتِجْلَابُ شَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ، قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ «فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ» بِالْإِفْرَادِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ «فِي غَيَابَاتِ» بِالْجَمْعِ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ الْإِفْرَادَ وَأَنْكَرَ الْجَمْعَ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَلْقُوهُ فِيهِ وَاحِدٌ. قَالَ النَّحَّاسُ:
وَهَذَا تَضْيِيقٌ فِي اللُّغَةِ، وَغَيَابَاتٌ عَلَى الْجَمْعِ تَجُوزُ، وَالْغَيَابَةُ: كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا وَقِيلَ لِلْقَبْرِ غَيَابَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا غَوْرُ الْبِئْرِ الَّذِي لَا يَقَعُ الْبَصَرُ عَلَيْهِ، أَوْ طَاقَةٌ فِيهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

أَلَا فالبثا شهرين أو نصف ثالث أنا ذاكما كما قَدْ غَيَّبَتْنِي غِيَابِيَا
وَالْجُبُّ: الْبِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، وَيُقَالُ لَهَا قَبْلَ الطَّيِّ: رَكِيَّةٌ، فَإِذَا طُوِيَتْ قِيلَ لَهَا بِئْرٌ، سُمِّيَتْ جُبًّا لِأَنَّهَا قطعت في الأرض قطعا، وجمع الجبّ جببة وَجِبَابٌ وَأَجْبَابٌ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْغَيَابَةِ وَالْجُبِّ مُبَالَغَةً فِي أَنْ يُلْقُوهُ فِي مَكَانٍ مِنَ الْجُبِّ شَدِيدِ الظُّلْمَةِ حَتَّى لَا يُدْرِكَهُ نَظَرُ النَّاظِرِينَ. قِيلَ: وَهَذِهِ الْبِئْرُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ:
بِالْأُرْدُنِّ، وَجَوَابُ الْأَمْرِ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ «تَلْتَقِطْهُ» بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ بَعْضَ السَّيَّارَةِ سَيَّارَةٌ. وَحُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ: سَقَطَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَرَى مَرَّ السِّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ «١» مِنَ الْهِلَالِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «يَلْتَقِطْهُ» بِالتَّحْتِيَّةِ، والسيارة: الجمع الذين يَسِيرُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَالِالْتِقَاطُ: هُوَ أَخْذُ شَيْءٍ
(١). السرار: سرار الشهر: آخر ليلة منه.

صفحة رقم 10
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية