آيات من القرآن الكريم

۞ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

الفصل الثاني من قصة يوسف يوسف وإخوته
- ١- اتفاقهم على إلقائه في البئر
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧ الى ١٠]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)
الإعراب:
آياتٌ لِلسَّائِلِينَ آياتٌ جمع آية، وآية على وزن «فعلة» بكسر العين، فتقلب العين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتصير آية «لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ» مبتدأ وخبر.
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ مبتدأ وخبر، والواو حالية.
أَرْضاً منصوب على أنه ظرف مكان، وتعدّى إليه. اطْرَحُوهُ وهو لازم لأنه ظرف مكان مبهم، وليس له حدود بحصره ولا نهاية تحيط به، لأنه نكرة، فنصبت كالظروف المبهمة. أو انتصب على إسقاط حرف الجر.
يَخْلُ لَكُمْ جواب الأمر. وَتَكُونُوا مجزوم بالعطف على يَخْلُ أو منصوب بإضمار أن.

صفحة رقم 211

المفردات اللغوية:
فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ أي في خبرهم وقصتهم، وهم أحد عشر وإخوته العشر هو: يهوذا، وروبيل، وشمعون، ولاوي، وربالون، ويشجر، ودينة، ودان، ونفتالى، وجاد، وآشر.
والسبعة الأولون كانوا من «ليا» بنت خالة يعقوب، والأربعة الآخرون من سرّيّتين (أمتين) :
زلفة وبلهة، فلما توفيت «ليا» تزوج يعقوب أختها «راحيل» فولدت له بنيامين ويوسف «١».
لآيات عبر، أو علامات ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء لمن سأل عنهم وعرف قصتهم، والظاهر أنها الدلالات على صدق الرسل. لِلسَّائِلِينَ عن خبرهم. إِذْ قالُوا اذكر حين قال بعض إخوة يوسف لبعضهم. وَأَخُوهُ بنيامين. عُصْبَةٌ جماعة رجال ما بين الواحد والعشرة. لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ خطأ بيّن، بإيثارهما علينا وتفضيله المفضول، أو لترك العدل في المحبة. روي أن يوسف كان أحب إلى أبيه، لما يرى فيه المخايل، وكان إخوته يحسدونه، فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة، بحيث لم يصبر عنه، فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له.
اقْتُلُوا يُوسُفَ من جملة المحكي بعد قوله: إذ قالوا، كأنهم اتفقوا على ذلك الأمر إلا من قال: لا تقتلوا يوسف. أَرْضاً أي بأرض بعيدة من العمران. يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يصف لكم، فيقبل عليكم ولا يلتفت إلى غيركم. مِنْ بَعْدِهِ من بعد يوسف أو من بعد قتله أو طرحه.
صالِحِينَ تائبين إلى الله تعالى عما جنيتم، بأن تتوبوا، أو صالحين مع أبيكم، أو في أمر دنياكم.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ هو يهوذا، وكان أحسنهم فيه رأيا، وقيل: روبيل لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فإن القتل عظيم. وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ في قعره سمي به لغيبوبته عن أعين الناظرين. السَّيَّارَةِ المسافرين، الذين يسيرون في الأرض. إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ما أردتم من التفريق بينه وبين أبيه، أو فاعلين بمشورتي، فاكتفوا بذلك.
المناسبة:
هذه بداية قصة يوسف مع إخوته، بعد أن قدم الله تعالى لها بمقدمتين:
الأولى- وصف القرآن، وأنه تنزيل من عند الله بلسان عربي مبين، دال على رسالة النبي صلى الله عليه وسلّم، ورتب عليه: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ. والثانية- الكلام على رؤيا يوسف وتأثيرها في نفس يعقوب، وبنى عليها العبرة منها وهي يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ، قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا.

(١) الكشاف: ٢/ ١٢٤

صفحة رقم 212

التفسير والبيان:
تالله، لقد كان في قصة يوسف مع إخوته لأبيه عبرة ومواعظ للسائلين الذين سألوا عنهم، دالة على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء لكل سائل عن أحداث القصة، ودالة على صدق الرسول يوسف وغيره، وعلى ما أظهر الله في قصة يوسف من عواقب البغي عليه، وصدق رؤياه، وصحة تأويله، وضبط نفسه وقهرها، حتى قام بحق الأمانة «١». فذلك خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه.
إنه لعبرة حين قالوا: والله ليوسف وأخوه بنيامين شقيقه أحب إلى أبينا منا، فهو يفضلهما علينا في الحب، وهما صغيران، ونحن جماعة عشرة رجال.
حلفوا فيما يظنون، وأَحَبُّ أفعل تفضيل أي أكثر حبا منا. والعصبة:
ما بين الواحد إلى العشرة.
إن أبانا لفي خطأ واضح مجاف الصواب في ذلك، بإيثار يوسف وأخيه علينا بالمحبة، وتركه العدل والمساواة في المحبة، فكيف يفضّل صغيرين ضعيفين لا كفاية فيهما ولا منفعة، على رجال أشداء، نقوم بكل ما يحتاج إليه من منافع معاشية ودفاعية، وكيف يحب الاثنين أكثر من الجماعة؟! وهذا في الحقيقة خطأ منهم لا من أبيهم لأن يوسف وأخاه صغيران يتيمان ماتت أمهما، ولأنه كان يرى في يوسف إرهاصات النبوة والعقل والحكمة، وتأكد توقعه بما فهم من رؤياه.
ومع ذلك يطلب الاحتياط في معاملة الأولاد والتسوية بينهم في المحبة والمعاملة ولو في القبلة، وتجنب ما يثير التحاسد والتباغض بينهم، كما
أوصى النبي

(١) البحر المحيط: ٥/ ٢٨٢

صفحة رقم 213

صلى الله عليه وسلّم فيما يرويه البخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن النعمان بن بشير: «اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم»
وما يرويه الطبراني عن النعمان بن بشير أيضا: «اعدلوا بين أولادكم في النّخل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف».
ثم ذكر الله تعالى مؤامرتهم بقوله: اقْتُلُوا.. أي ومما قالوا، أي قال بعض إخوة يوسف لبعض: اقْتُلُوا يُوسُفَ حسما للمشكلة، أو انبذوه في أرض مجهولة عن العمران، فلا يستطيع الرجوع إلى أبيه، فإن فعلتم ذلك تستريحوا منه، ويصف لكم وجه أبيكم، وتخلوا أنتم مع أبيكم، والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها وينازعهم إياها، وتكونوا من بعد يوسف أو بعد قتله أو طرحه أرضا قوما تائبين إلى الله مما جنيتم عليه، أو يصلح ما بينكم وبين أبيكم بعذر تمهدونه، أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم بعده، بخلوّ وجه أبيكم، فيرضى عنكم ربكم وأبوكم.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ... أي قال أكبرهم وهو يهوذا، وقيل: روبيل:
لا تقدموا على قتله، فإن القتل جريمة عظيمة، وهو أخوكم، ولكن ألقوه في أسفل البئر، يلتقطه بعض المسافرين الذين يسيرون في الأرض للتجارة، فتستريحوا منه بهذا، ويتحقق غرضكم وهو إبعاده عن أبيه، ولا حاجة إلى قتله، إن كنتم فاعلين، أي عازمين على ما تقولون، وفاعلين ما هو الصواب، فهذا هو الرأي.
وقوله: اقْتُلُوا يُوسُفَ فيه حذف، أي قال قائل منهم: اقتلوا.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- في قصة يوسف وإخوته دلالة على صدق الرسل، وعبرة تمخضت عنها

صفحة رقم 214

وهي التنبيه على عاقبة البغي والحسد، وفضيلة ضبط النفس، والتصديق بتعبير الرؤيا وصحة تأويلها إن كانت من نبي أو عالم ناصح.
٢- لقد دفع التباغض والتحاسد والغيرة إخوة يوسف على تدبير مؤامرة لقتله أو إلقائه في بادية بعيدة عن الناس حتى يهلك، أو يأخذه بعض التجار المسافرين ويتملكونه لأن خبر المنام بلغهم، فتآمروا على كيده، أو لمجرد الغيرة الشديدة من عاطفة أبيهم نحو يوسف وأخيه.
٣- إن تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد، ويورث الآفات، لكن يعقوب عليه السّلام العالم بذلك لم يفضل ولديه يوسف وأخيه إلا في المحبة، والمحبة ليست في وسع البشر، فكان معذورا فيه، ولا لوم عليه.
٤- دل قوله: وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ أي تائبين، بأن تحدثوا توبة بعدئذ، فيقبلها الله منكم، وهو دليل على أن توبة القاتل مقبولة لأن الله تعالى لم ينكر هذا القول منهم، كما ذكر القرطبي «١».
٥- علق محمد بن إسحاق على مؤامرة أولاد يعقوب على أخيهم يوسف فقال فيما رواه ابن أبي حاتم: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله، مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه، على كبر سنه، ورقة عظمه، مع مكانه من الله، ممن أحبه طفلا صغيرا، وبين الأب وابنه على ضعف قوته، وصغر سنه، وحاجته إلى لطف والده، وسكونه إليه، يغفر الله لهم، وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمرا عظيما «٢».

(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٣١
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٧٠

صفحة رقم 215

٦- أفعال إخوة يوسف المتقدمة تدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء، لا أولا ولا آخرا لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين، فارتكبوا معصية ثم تابوا. ومما يرد قول من قال إنهم أنبياء: أن الأنبياء معصومون من الكبائر. وقيل: ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء، ثم نبأهم الله «١» وقد سبق بيان الرأي الأصح في هذا عن ابن كثير وغيره.
حكم الالتقاط:
الالتقاط: تناول الشيء من الطريق، ومنه اللقيط واللّقطة. أما اللقيط:
فالأصل فيه الحرية، لغلبة الأحرار على العبيد، فهو قضاء بالغالب، وهو مسلم أخذا بالغالب أيضا، فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون، قال ابن القاسم، يحكم بالأغلب فإن وجد عليه زيّ اليهود فهو يهودي، وإن وجد عليه زيّ النصارى فهو نصراني، وإلا فهو مسلم، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام.
وقال غير ابن القاسم: لو لم يكن في القرية إلا مسلم واحد، قضي للقيط بالإسلام، تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو، ولا يعلى عليه.
أما النفقة عليه: فقال أبو حنيفة: إذا أنفق الملتقط على اللقيط فهو متطوع، إلا أن يأمره الحاكم.
وقال مالك: إذا أنفق عليه الملتقط، ثم أقام رجل البينة أنه ابنه، فإن الملتقط يرجع على الأب، إن كان طرحه متعمدا، وإن لم يكن طرحه، ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب، والملتقط متطوع بالنفقة.
وقال الشافعي: إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال، فإن لم

(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٣٣

صفحة رقم 216

يكن ففيه قولان: أحدهما- يستقرض له في ذمته. والثاني- يقسط على المسلمين من غير عوض.
والخلاصة: اتفق العلماء على أنه إذا لم يكن للقيط مال: إن شاء تبرع الملتقط بالإنفاق عليه، وإن شاء رفع الأمر إلى الحاكم، لينفق منه على حساب بيت المال المعدّ لحوائج المسلمين. وإن كان للقيط مال، بأن وجد معه مال، فتكون النفقة من مال اللقيط لأنه غير محتاج إليه.
ولو أنفق عليه الملتقط من مال نفسه: فإن أنفق بإذن القاضي، فله أن يرجع على الملتقط بعد بلوغه، وإن أنفق بغير إذن القاضي، يكون متبرعا، ولا يرجع على اللقيط بشيء.
وأما اللقطة والضّوال- وهما بمعنى واحد على الأصح «١» - فأجمع العلماء على أنها ما لم تكن تافها يسيرا، أو شيئا لا بقاء لها، فإنها تعرّف حولا كاملا، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول، وأراد صاحبها أن يضمّنه، فإن ذلك له، وإن تصدق بها فصاحبها مخيّر بين التضمين وبين الرضا بالثواب أو الأجر على التصدق بها، وليس لملتقطها التصدق بها أو التصرف قبل الحول. وأجمعوا أن ضالّة الغنم المخوف عليها، له أكلها.
وللعلماء آراء في الأفضل من ترك اللقطة أو أخذها، فقال المالكية: إن شاء أخذها وإن شاء تركها، ونقل عن مالك وأحمد كراهة الالتقاط، ودليلهم حديث أصحاب الكتب الستة عن زيد بن خالد الجهني في الشاة: «هي لك أو

(١) وقيل: إن الضالة لا تكون إلا في الحيوان، واللقطة في غير الحيوان، وأنكر أبو عبيد القاسم بن سلّام ذلك.

صفحة رقم 217
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية