آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

خَزَائِنِ (١) الْأَرْضِ، وَهِيَ الْأَهْرَامُ الَّتِي (٢) يُجْمَعُ فِيهَا الْغَلَّاتُ، لِمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنَ السِّنِينَ الَّتِي أَخْبَرَهُمْ بِشَأْنِهَا، لِيَتَصَرَّفَ لَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْوَطِ وَالْأَصْلَحِ وَالْأَرْشَدِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ رَغْبَةً فِيهِ، وتكرِمَةً لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: أَرْضِ مِصْرَ، ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾
قَالَ السُّدِّي، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَتَّخِذُ مِنْهَا مَنْزِلًا حَيْثُ يَشَاءُ (٣) بَعْدَ الضِّيقِ وَالْحَبْسِ وَالْإِسَارِ. ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ: وَمَا أَضَعْنَا صَبْرَ يُوسُفَ عَلَى أَذَى إِخْوَتِهِ، وَصَبْرَهُ عَلَى الْحَبْسِ بِسَبَبِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ؛ فَلِهَذَا أَعْقَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّلَامَةَ وَالنَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ، ﴿وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ مَا ادَّخَرَهُ (٤) اللَّهُ لِنَبِيِّهِ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ (٥) وَأَجَلُّ، مِمَّا خَوَّلَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَالنُّفُوذِ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٣٩، ٤٠].
وَالْغَرَضُ أَنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَّاهُ مَلك مِصْرَ الريانُ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَزَارَةَ فِي بِلَادِ مِصْرَ، مَكَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ زَوْجِ الَّتِي رَاوَدَتْهُ، وَأَسْلَمَ الْمَلِكُ عَلَى يَدَيْ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ لَمَّا قَالَ يُوسُفُ لِلْمَلِكِ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ قَالَ الْمَلِكُ: قَدْ فَعَلْتُ. فَوَلَّاهُ فِيمَا ذَكَرُوا عَمَلَ إِطْفِيرَ (٦) وَعَزَلَ إِطْفِيرَ (٧) عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فَذُكِرَ لِي -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّ إِطْفِيرَ (٨) هَلك فِي تِلْكَ اللَّيَالِي، وَأَنَّ الْمَلِكَ الرَّيَّانَ بْنَ الْوَلِيدِ زوَّج يُوسُفَ امْرَأَةَ إِطْفِيرَ (٩) رَاعِيلَ، وَأَنَّهَا حِينَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا كُنْتِ تُرِيدِينَ؟ قَالَ: فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُ، لَا تَلُمْنِي، فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأَةً كَمَا تَرَى حَسْنَاءَ جَمِيلَةً، نَاعِمَةً فِي مُلْكٍ وَدُنْيَا، وَكَانَ صَاحِبِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكُنْتَ كَمَا جَعَلَكَ اللَّهُ فِي حُسْنِكَ وَهَيْئَتِكَ (١٠) عَلَى مَا رَأَيْتَ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلَيْنِ أَفْرَائِيمَ بن يوسف، وميشا بن

(١) في ت: "خزان"
(٢) في ت: "الذي".
(٣) في ت: "شاء".
(٤) في ت: "ذخره".
(٥) في ت: "وأكبر".
(٦) في ت: "إظفير".
(٧) في ت: "إظفير".
(٨) في ت: "إظفير".
(٩) في ت: "إظفير".
(١٠) في ت: "وهيبتك".

صفحة رقم 396
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية